الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ } * { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { قُلْ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } * { قُلْ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلْ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِنْدَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ }

قوله تعالى: { أمَّن هذا الذي هو جند لكم } هذا استفهام إنكار. ولفظ «الجُنْدِ» مُوحَّد، فلذلك قال تعالى: «هذا الذي هو» والمعنى: لا جُنْدَ لكم { ينصركم } أي: يمنعكم من عذاب الله إن أراده بكم { إنِ الكافرون إلا في غرور } وذلك أن الشيطان يغرُّهم، فيقول: إن العذاب لا ينزل بكم { أمَّن هذا الذي يرزقكم } المطر وغيرَه { إن أمسك } الله ذلك عنكم { بل لجُّوا في عُتُوٍّ } أي: تمادٍ في كفر { ونفور } عن الإيمان.

ثم ضرب مثلاً، فقال تعالى: { أفمن يمشي مُكِبّاً على وجهه } قال ابن قتيبة: أي: لا يبصر يميناً، ولا شمالاً، ولا من بين يديه. يقال: أكبَّ فلانٌ على وجهه بالألف، وكبَّه الله لوجهه، وأراد: الأعمى. قال المفسرون: هذا مثل للمؤمن، والكافر. و«السويُّ»: المعتدل، أي: الذي يبصر الطريق. وقال قتادة: هذا في الآخرة يحشر الله الكافر مُكِبّاً على وجهه، والمؤمن يمشي سوياً.

قوله تعالى: { قليلاً ما تشكرون } فيه قولان.

أحدهما: أنهم لا يشكرون، قاله مقاتل.

والثاني: يشكرون قليلاً، قاله أبو عبيد.

قوله تعالى: { ذَرَأَكُمْ } أي: خلقكم { ويقولون متى هذا الوعد } يعنون بالوعد: العذابَ { فلما رأوه زُلْفَةً } أي: رأوا العذاب قريباً منهم { سِيْئَتْ وجوه الذين كفروا } قال الزجاج: أي: تبين فيها السُّوءُ. وقال غيره: قُبِّحْت بالسواد { وقيل هذا الذي كنتم به تَدَّعُونَ } فيه قولان.

أحدهما: أنَّ «تدَّعون» بالتشديد، بمعنى تدعون بالتخفيف، وهو «تفتعلون» من الدعاء. يقال: دعوت، وادَّعيت، كما يقال: خَبَرْتُ وَاخْتَبَرْتُ، ومثله: يَدَّكِرون، ويَدْكُرون، هذا قول الفراء، وابن قتيبة.

والثاني: أن المعنى: هذا الذي كنتم من أجله تَدَّعون الأباطيلَ والأكاذيبَ، تَدَّعون أنكم إِذا مُتُّم لا تُبْعَثُون؟! وهذا اختيار الزجاج. وقرأ أبو رزين، والحسن، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، وابن أبي عبلة، ويعقوب: «تَدْعون» بتخفيف الدال، وسكونها، بمعنى تَفْعَلون من الدعاء. وقال قتادة: كانوا يَدعُون بالعذاب.