الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } * { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَٱللَّهُ قَدِيرٌ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } * { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

قوله تعالى: { قد كانت لكم إِسوة حسنة في إبراهيم } وقرأ عاصم: «أُسوة» بضم الألف، وهما لغتان، أي: اقتداءٌ حَسَن به وبمن معه، وفيهم قولان.

أحدهما: أنهم الأنبياء.

والثاني: المؤمنون { إذ قالوا لقومهم إنا بُرَءاءُ منكم } قال الفراء: يقول: أفلا تَأَسَّيْتَ يا حاطب بإبراهيم وقومه فتبرَّأت من أهلك كما تبرؤوا من قومهم؟!

قوله تعالى: { إلا قولَ إبراهيم لأبيه } قال المفسرون: والمعنى: تأسّوا بإبراهيم إلا في استغفار إبراهيم لأبيه فلا تأسَّوا به في ذلك، فإنه كان عن موعدة وعدها إياه، { وما أملك لك من الله من شيء } أي: ما أدفع عنك عذاب الله إِن أشركت به، وكان من دعاء إبراهيم وأصحابه { ربنا عليك توكلنا } إلى قوله تعالى: { العزيز الحكيم } قال الفراء: قولوا أنتم: ربنا عليك توكلنا. وقد بينا معنى قوله تعالى: { لا تجعلنا فتنة للذين كفروا } في «يونس» [آية: 85]. ثم أعاد الكلام في ذكر الأُسوة فقال تعالى: { لقد كان لكم فيهم } أي: في إبراهيم ومن معه، وذلك أنهم كانوا يبغضون من خالف الله. وقوله تعالى { لمن كان يرجوا الله } بدل من قوله تعالى: { لكم } وبيان أن هذه الأسوة، لمن يخاف الله، ويخشى عقاب الآخرة.

قوله تعالى: { ومن يتولَّ } أي: يعرض عن الإيمان ويوال الكفار، { فإن الله هو الغني } عن خلقه { الحميد } إلى أوليائه. فلما أمر الله المؤمنين بعداوة الكفار عادَوْا أقرباءهم، فأنزل الله تعالى { عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم } أي: من كفار مكة { مودة } ففعل ذلك، بأن أسلم كثير منهم يوم الفتح، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، فانكسر أبو سفيان عن كثير مما كان عليه حتى هداه الله للإسلام، { والله قدير } على جعل المودة { والله غفور } لهم { رحيم } بهم بعدما أسلموا.

قوله تعالى: { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدِّين } اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال.

أحدها: أنها في أسماء بنت أبي بكر، وذلك أن أمها قتيلة بنت عبد العُزىَّ، قَدِمَت عليها المدينة بهدايا، فلم تقبل هداياها، ولم تدخلها منزلها، فسألت لها عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدخلها منزلها، وتقبل هديتها، وتكرمها، وتحسن إليها، قاله عبد الله بن الزبير.

والثاني: أنها نزلت في خزاعة وبني مدلج، وكانوا صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يقاتلوه، ولا يعينوا عليه أحداً، قاله ابن عباس. وروي عن الحسن البصري أنها نزلت في خزاعة، وبني الحارث بن عبد مناف، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فداموا على الوفاء به.

السابقالتالي
2