الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

قوله تعالى: { ولقد جئتمونا فرادى } سبب نزولها: أن النضر بن الحارث قال: سوف تشفع لي اللاَّت والعزى، فنزلت هذه الآية، قاله عكرمة. ومعنى فرادى: وُحداناً. وهذا إخبار من الله تعالى بما يوبِّخ به المشركين يوم القيامة. قال أبو عبيدة: فرادى: أي فرد فرد. وقال ابن قتيبة: فرادى: جمع فرد.

وللمفسرين في معنى «فرادى» خمسة اقوال متقاربة المعنى.

أحدها: فرادى من الأهل والمال والولد، قاله ابن عباس.

والثاني: كل واحد على حدة، قاله الحسن.

والثالث: ليس معكم من الدنيا شيء، قاله مقاتل.

والرابع: كل واحد منفرد عن شريكه في الغيّ، وشقيقه، قاله الزجاج.

والخامس: فرادى من المعبودين، قاله ابن كيسان.

قوله تعالى: { كما خلقناكم أول مرة } فيه ثلاثة اقوال.

أحدها: لا مال ولا أهل ولا ولد.

والثاني: حفاةً عراةً غرلاً. والغرل: القلف.

والثالث: أحياءً. وخولناكم: بمعنى: ملّكناكم. { وراء ظهوركم } أي: في الدنيا. والمعنى: أن ما دأبتم في تحصيله في الدنيا فني، وبقي الندم على سوء الاختيار. وفي شفعائهم قولان.

أحدهما: أنها الأصنام. قال ابن عباس: شفعاؤكم: أي: آلهتكم الذين زعمتم أنهم يشفعون لكم. و { زعمتم أنهم فيكم } أي: عندكم شركاء. وقال ابن قتيبة: زعمتم أنهم لي في خلقكم شركاء.

والثاني: أنها الملائكة كانوا يعتقدون شفاعتها، قاله مقاتل.

قوله تعالى: { لقد تقطَّع بينكم } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم: بالرفع. وقرأ نافع، والكسائي، وحفص عن عاصم: بنصب النون على الظرف: قال الزجاج: الرفع أجود، ومعناه: لقد تقطَّع وصلكم، والنصب جائز، ومعناه: لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة بينكم. وقال ابن الانباري: التقدير: لقد تقطع ما بينكم، فحذف «ما» لوضوح معناها. قال أبو علي: الذين رفعوه جعلوه اسماً، فأسندوا الفعل الذي هو «تقطَّع» إليه؛ والمعنى: لقد تقطع وصلكم، والذين نصبوا، أضمروا اسم الفاعل في الفعل، والمضمر هو الوصل؛ فالتقدير: لقد تقطع وصلكم بينكم. وفي الذي كانوا يزعمون قولان.

أحدهما: شفاعة آلهتهم. والثاني: عدم البعث والجزاء.