الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ }

قوله تعالى: { وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق } فيه أربعة أقوال.

أحدها: خلقهما للحق.

والثاني: خلقهما حقاً.

والثالث: خلقهما بكلامه، وهو الحق.

والرابع: خلقهما بالحكمة.

قوله تعالى: { ويوم يقول كن فيكون } قال الزجاج: الأجود أن يكون منصوباً على معنى: واذكر يوم يقول كن فيكون، لأن بعده { وإذ قال إِبراهيم } فالمعنى: واذكر هذا وهذا. وفي الذي يقول له كن فيكون، ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه يوم القيامة، قاله مقاتل.

والثاني: ما يكون في القيامة.

والثالث: أنه الصور، وما ذكر من أمر الصور يدل عليه، قالهما الزجاج. قال: وخُصَّ ذلك اليوم بسرعة إيجاد الشيء، ليدل على سرعة أمر البعث.

قوله تعالى: { قوله الحق } أي: الصدق الكائن لا محالة { وله الملك يوم ينفخ في الصور }. وروى إسحاق بن يوسف الأزرق عن أبي عمرو: «ننفخ» بنونين ومعنى الكلام: أن الملوك يومئذ لا ملك لهم، فهو المنفرد بالملك وحده، كما قال:والأمر يومئذ لله } [الإنفطار: 19] وفي «الصور» قولان.

أحدهما: أنه قرن ينفخ فيه؛ " روى عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور، فقال: «هو قرن ينفخ فيه» " وقال مجاهد: الصور كهيأة البوق. وحكى ابن قتيبة: أن الصور: القرن، في لغة قوم من أهل اليمن، وأنشد:
نَحْنُ نَطَحْنَاهُم غَدَاةَ الجَمْعَيْن   بالضَّابِحَاتِ في غُبارِ النَّقْعَيْن
نَطْحاً شَدِيدَاً لا كَنَطْحِ الصّورَيْن   
وأنشد الفراء:
لَوْلاَ ابنُ جَعْدَةَ لَم يُفْتَحْ قُهُنْدُزُكُم   وَلاَ خُرَاسَانُ حتَّى يُنْفَخَ الصُّوْرُ
وهذا اختيارُ الجمهور.

والثاني: أن الصور جمع صورة؛ يقال: صورة وصور، بمنزلة سورة وسور، كسورة البناء؛ والمراد نفخ الأرواح في صُوَرِ الناس، قاله قتادة: وأبو عبيدة. وكذلك قرأ الحسن، ومعاذ القارىء، وأبو مِجْلَز، وأبو المتوكل «في الصُّوَر» بفتح الواو. قال ثعلب: الأجود أن يكون الصور: القرن، لأنه قال عز وجل { ونُفخ في الصور فصَعِق من في السماوات ومن في الأرض } ثم قال: { ثم نُفخ فيه أخرى }؛ ولو كان الصُّوَر، كان: ثم نُفخ فيها أو فيهن؛ وهذا يدل على أنه واحد؛ وظاهر القرآن يشهد أنه يُنفخ في الصُّور مرتين. وقد روى أهل التفسير عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الصور قرن يُنفخ فيه ثلاث نفخات؛ الأولى: نفخة الفزع، والثانية: نفخة الصعق، والثالثة: نفخة القيام لرب العالمين " قال ابن عباس: وهذه النفخة المذكورة في هذه الآية هي الأولى، يعني: نفخة الصعق.

قوله تعالى: { عالم الغيب } وهو ما غاب عن العباد مما لم يعاينوه، { والشهادة } وهو ما شاهدوه ورأوه. وقال الحسن: يعني بذلك السر والعلانية.