الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا } اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال.

أحدها: أنها نزلت في رجال أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنا أصبنا ذنوباً عظيمة، فسكت عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، قاله أنس بن مالك.

والثاني: أنها نزلت في الذين نُهي عن طردهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام، وقال: الحمد لله الذي جعل في أُمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام، قاله الحسن، وعكرمة.

والثالث: أنها نزلت في أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وحمزة، وجعفر، وعثمان بن مظعون، وأبي عبيدة، ومصعب بن عمير، وسالم، وأبي سلمة، والأرقم ابن أبي الأرقم، وعمار، وبلال، قاله عطاء.

والرابع: أن عمر بن الخطاب كان اشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بتأخير الفقراء، استمالة للرؤساء إلى الإسلام. فلما نزلت { ولا تطرد الذين يدعون ربهم } جاء عمر يعتذر من مقالته ويستغفر منها، فنزلت فيه هذه الآية، قاله ابن السائب.

والخامس: أنها نزلت مبِّشرة باسلام عمر بن الخطاب؛ فلما جاء وأسلم، تلاها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكاه أبو سليمان الدمشقي.

فأما قوله تعالى: { يؤمنون بآياتنا } فمعناه: يصدِّقون بحججنا وبراهيننا.

قوله تعالى: { فقل سلام عليكم } فيه قولان.

أحدهما: أنه أُمر بالسلام عليهم، تشريفا لهم؛ وقد ذكرناه عن الحسن، وعكرمة.

والثاني: أنه أُمر بابلاغ السلام إليهم عن الله تعالى، قاله ابن زيد. قال الزجاج: ومعنى السلام: دعاء للانسان بأن يسلم من الآفات. وفي السوء قولان.

أحدهما: أنه الشرك، والثاني: المعاصي.

وقد ذكرنا في سورة (النساء) معنى «الجهالة». قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: «أنه من عمل منكم سوءاً» «فانه غفور» بكسر الألف فيهما. وقرأ عاصم، وابن عامر، بفتح الألف فيهما. وقرأ نافع: بنصب ألف «أنه» وكسر ألف «فانه غفور» قال أبو علي: من كسر ألف «إنه» جعله تفسيرا للرحمة، ومن كسر ألف { فانه غفور } فلأن ما بعد الفاء حكم الابتداء، ومن فتح ألف «أنه من عمل» جعل «أنَّ» بدلا من الرحمة، والمعنى: كتب ربكم «أنه من عمل»، ومن فتحها بعد الفاء، أضمر خبراً تقديره: فله { أنه غفور رحيم } والمعنى: فله غفرانه، وكذلك قوله تعالى:فإن له نار جهنم } [التوبة: 63] معناه: فله أن له نار جهنم، وأما قراءة نافع، فانه أبدل من الرحمة، واستأنف ما بعد الفاء.