الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَٰدِقُونَ }

قوله تعالى: { وعلى الذين هادوا حرّمنا كل ذي ظفر } وقرأ الحسن، والأعمش: { ظُفْرٍ } بسكون الفاء؛ وهذا التحريم تحريم بلوى وعقوبة

وفي ذي الظفر ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه ما ليس بمنفرج الأصابع، كالإبل، والنعام، والإوَزِّ، والبط، قاله ابن عباس، وابن جبير، ومجاهد، وقتادة، والسدي.

والثاني: الإبل فقط، قاله ابن زيد.

والثالث: كل ذي حافر من الدواب، ومخلب من الطير، قاله ابن قتيبة. قال: وسمي الحافر ظفراً على الإستعارة؛ والعرب تجعل الحافر والأظلاف موضع القدم، استعارة؛ وأنشدوا:
سَأمْنْعُها أوْ سَوْفَ أجْعَلُ أمْرَهَا   إلى مَلِكٍ أظلافُه لم تُشقَّق
أراد: قدميه، وإنما الأظلاف: للشاء والبقر. قال ابن الانباري: الظفر هاهنا، يجري مجرى الظفر للانسان. وفيه ثلاث لغات. أعلاهن: ظُفُر؛ ويقال: ظُفْر، وأُظفور. وقال الشاعر:
ألم تر أنَّ الموتَ أدْرَك مَنْ مَضَى   فلم يُبْقِ منه ذا جناح وذا ظُفُر
وقال الآخر:
لقد كنتُ ذا نابٍ وظُفْرٍ على العِدَى   فأصبحتُ ما يَخْشَوْنَ نابي ولا ظُفْري
وقال الآخر:
ما بين لُقمته الأولى إذا انحَدَرَتْ   وبين أخرى تليها قِيْدُ أُظْفُور
وفي شحوم البقر والغنم ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه إنما حرّم من ذلك شحوم الثروب خاصة، قاله قتادة.

والثاني: شحوم الثروب والكلى، قاله السدي، وابن زيد.

والثالث: كل شحم لم يكن مختلطا بعظم، ولا على عظم، قاله ابن جريج: وفي قوله: { إلا ما حملت ظهورهما } ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه ما علق بالظهر من الشحوم، قاله ابن عباس.

والثاني: الأَليْةَ، قاله أبو صالح، والسدي.

والثالث: ما علق بالظهر والجنب من داخل بطونهما، قاله قتادة. فأما الحوايا فللمفسرين فيها أقوال تتقارب معانيها. قال ابن عباس، والحسن، وابن جبير، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وابن قتيبة: هي المباعر. وقال ابن زيد: هي بنات اللبن، وهي المرابض التي تكون فيها الأمعاء. وقال الفراء: الحوايا: هي المباعر، وبنات اللبن. وقال الاصمعي: هي بنات اللبن، واحدها: حاوياء، وحاوية، وحَويّة.

قال الشاعر:
أقْتُلُهم ولا أرى مُعاويه   الجاحِظَ العَيْنِ العَظيمَ الحاويهْ
وقال الآخر:
كأنَّ نقيق الحَبِّ في حاويائه   فحيحُ الأفاعي أو نقيقُ العقارِب
وقال أبو عبيدة: الحوايا: ما تحوّى من البطن، أي: ما استدار منها. وقال الزجاج: الحوايا: اسم لجميع ما تحوّى من الأمعاء, أي: استدار. وقال ابن جرير الطبري: الحوايا: ما تحوّى من البطن, فاجتمع واستدار، وهي بنات اللبن، وهي المباعر، وتسمى: المرابض، وفيها الأمعاء.

قوله تعالى: { أو ما اختلط بعظم } فيه قولان.

أحدهما: أنه شحم البطن والألَيْة، لأنهما على عظم، قاله السدي. والثاني: كل شحم في القوائم، والجنب، والرأس، والعينين، والأذنين، فهو مما اختلط بعظم، قاله ابن جريج. واتفقوا على أن ما حملت ظهورها حلال، بالاستثناء من التحريم.

السابقالتالي
2