الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }

قوله تعالى: { وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً } أي: وكما جعلنا لك ولأُمتك شياطين الإنس والجن أعداءً، كذلك جعلنا لمن تقدَّمك من الأنبياء وأُممهم؛ والمعنى: كما ابتليناك بالأعداء، ابتلينا مَنْ قبلك، ليعظم الثواب عند الصبر على الأذى. قال الزجاج: «وعدو»: في معنى أعداء، و«شياطين الإنس والجن»: منصوب على البدل من «عدو» ومفسر له؛ ويجوز أن يكون: «عدواً» منصوب على أنه مفعول ثان، المعنى: وكذلك جعلنا شياطين الإنس والجن أعداءً لأُممهم. وفي شياطين الإنس والجن ثلاثة أقوال.

أحدها: أنهم مردة الإنس والجن، قاله الحسن، وقتادة.

والثاني: أن شياطين الإنس: الذين مع الإنس، وشياطين الجن: الذين مع الجن، قاله عكرمة، والسدي.

والثالث: أن شياطين الإنس والجن: كفارهم، قاله مجاهد.

قوله تعالى: { يوحي } أصل الوحي: الإعلام والدلالة بِسَتر وإخفاء.

وفي المراد به هاهنا ثلاثة أقوال.

أحدها: أن معناه: يأمر. والثاني: يوسوس. والثالث: يشير.

وأما { زخرف القول } ، فهو ما زُيِّن منه، وحُسِّن، ومُوِّه، وأصل الزخرف: الذهب. قال أبو عبيدة: كل شيء حسَّنته وزيَّنتَه وهو باطل، فهو زخرف. وقال الزجاج: «الزخرف» في اللغة: الزينة؛ فالمعنى: أن بعضهم يزين لبعض الأعمال القبيحة؛ و«غروراً» منصوب على المصدر؛ وهذا المصدر محمول على المعنى، لأن معنى إيحاء الزخرف من القول: معنى الغرور، فكأنه قال: يَغرُّون غُروراً. وقال ابن عباس: { زخرفَ القول غروراً }: الأمانيُّ بالباطل. قال مقاتل: وَكّلَ إبليسُ بالإنس شياطين يُضِلُّونَهم، فاذا التقى شيطان الإنس بشيطان الجن، قال أحدهما لصاحبه: إني أضللت صاحبي بكذا وكذا، فأضللْ أنت صاحبك بكذا وكذا، فذلك وحي بعضهم إلى بعض. وقال غيره: إن المؤمن إذا أعيا شيطانه، ذهب إلى متمرد من الإنس، وهو شيطان الإنس، فأغراه بالمؤمن ليفتنه. وقال قتادة: إن من الجن شياطين، وإن من الإنس شياطين. وقال مالك بن دينار: إن شيطان الإنس أشد عليَّ من شيطان الجن، لأني إذا تعوَّذت من ذاك ذهب عني، وهذا يجرني إلى المعاصي عِياناً.

قوله تعالى: { ولو شاء ربك ما فعلوه } في هاء الكناية ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها ترجع إلى الوسوسة.

والثاني: ترجع إلى الكفر.

والثالث: إلى الغرور وأذى النبيّين.

قوله تعالى: { فذرهم وما يفترون } قال مقاتل: يريد كفار مكة وما يفترون من الكذب. وقال غيره: فذر المشركين وما يخاصمونك به مما يوحي إليهم أولياؤهم، وما يختلقون من كذب، وهذا القدر من هذه الآية منسوخ بآية السيف.