الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ }

قوله تعالى: { ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة } سبب نزولها: أن المستهزئين أتوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في رهط من أهل مكة، فقالوا له: ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم: أحق ما تقول أم باطل؟ أو أرنا الملائكة يشهدون لك أنك رسول الله، أو ائتنا بالله والملائكة قبيلاً. فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس ومعنى الآية ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة كما سألوا، وكلمهم الموتى، فشهدوا لك بالنبوة، { وحشرنا }: أي: جمعنا { عليهم كل شيء } في الدنيا { قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله } ، فأخبر أن وقوع الإيمان بمشيئته، لا كما ظنوا أنهم متى شاؤوا آمنوا، ومتى شاؤوا لم يؤمنوا. فأما قوله «قِبَلاً» فقرأ ابن عامر، ونافع: بكسر القاف وفتح الباء. قال ابن قتيبة: معناها: معاينة. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي «قُبُلا» بضم القاف والباء. وفي معناها ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه جمع قبيل، وهو الصِّنْف؛ فالمعنى: وحشرنا عليهم كل شيء قبيلاً قبيلاً، قاله مجاهد، واختاره أبو عبيدة، وابن قتيبة.

والثاني: أنه جمع قبيل أيضاً، إلا أنه: الكفيل؛ فالمعنى: وحشرنا عليهم كل شيء، فكَفَلَ بصحة ما تقول، اختاره الفراء، وعليه اعتراض، وهو أن يقال: إذا لم يؤمنوا بانزال الملائكة، وتكليم الموتى، فَلأَنْ لا يؤمنوا بالكفالة التي هي قول، أولى. فالجواب: أنه لو كَفَلَت الأشياء المحشورة، فنطق ما لم ينطق، كان ذلك آية بينة.

والثالث: أنه بمعنى: المقابل، فيكون المعنى: وحشرنا عليهم كل شيء، فقابلهم، قاله ابن زيد. قال أبو زيد: يقال: لقيت فلاناً قِبَلاً وقَبَلاً وقُبُلاً وقبيلاً وقَبَليَّاً ومقابلة، وكله واحد، وهو للمواجهة. قال أبو علي: فالمعنى في القرآن ـ على ما قاله أبو زيد ـ واحد، وإن اختلفت الألفاظ.

قوله تعالى: { ولكن أكثرهم يجهلون } فيه قولان.

أحدهما: يجهلون أن الاشياء لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى.

والثاني: أنهم يجهلون أنهم لو أوتوا بكل آية ما آمنوا.