الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ }

قوله تعالى: { وجعلوا لله شركاء الجن } جعلوا، بمعنى: وصفوا. قال الزجاج: نصبُ «الجن» من وجهين.

أحدهما: أن يكون مفعولاً، فيكون المعنى: وجعلوا لله الجنَ شركاء؛ ويكون الجن مفعولاً ثانياً، كقوله:وجعلوا الملائكة الذين هم عبادالرحمن إناثاً } [الزخرف: 19].

والثاني: أن يكون الجن بدلاً من شركاء، ومفسراً للشركاء. وقرأ ابو المتوكل، وأبو عمران، وأبو حيوة، والجحدري: «شركاء الجنُ» برفع النون. وقرأ ابن أبي عبلة، ومعاذ القارىء: «الجنِّ» بخفض النون.

وفي معنى جعلهم الجن شركاء ثلاثة أقوال.

أحدها: أنهم أطاعوا الشياطين في عبادة الأوثان، فجعلوهم شركاء لله، قاله الحسن، والزجاج.

والثاني: قالوا: إن الملائكة بنات الله، فهم شركاؤه، كقوله:وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً } [الصافات: 158]. فسمى الملائكة جنَّاً لاجتنانهم، قاله قتادة، والسدي، وابن زيد.

والثالث: أن الزنادقة قالوا: الله خالق النور والماء والدواب والأنعام، وإبليس: خالق الظلمة والسباع والحيات والعقارب، وفيهم نزلت هذه الآية. قاله ابن السائب.

قوله تعالى: { وخلقهم } في الكناية قولان.

أحدهما: أنها ترجع إلى الجاعلين له الشركاء، فيكون المعنى: وجعلوا للذي خلقهم شركاء لا يخلقون.

والثاني: أنها ترجع إلى الجن، فيكون المعنى: والله خلق الجن، فكيف يكون الشريك لله مُحدِثا؟ ذكرهما الزجاج.

قوله تعالى: { وخرقوا له بنين وبنات } وقرأ نافع: «وخرّقوا» بالتشديد، للمبالغة والتكثير، لأن المشركين ادَّعوا الملائكةَ بناتِ الله، والنصارى المسيحَ، واليهود عزيراً. وقرأ ابن عباس، وأبو رجاء، وأبو الجوزاء: «وحرّفوا» بحاء غير معجمة وبتشديد الراء وبالفاء. وقرأ ابن السميفع، والجحدري: «خارقوا» بألف وخاء معجمة. قال السدي: أما { البنون } فقول اليهود: عزير ابن الله، وقول النصارى: المسيح ابن الله، وأما «البنات»، فقول مشركي العرب: الملائكة بناتُ الله. قال الفراء: خرّقوا، واخترقوا، وخلقوا، واختلقوا، بمعنى افتروا. وقال أبو عبيدة: خرقوا: جعلوا. قال الزجاج: ومعنى «بغير علم»: أنهم لم يذكروه من علم، إنما ذكروه تَكذُّباً.