الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } * { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } * { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ لَهُ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

قوله تعالى: { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل } أخبر الله بهذا عن تعظيم شأن القرآن، وأنه لو جعل في جبل - على قساوته وصلابته - تمييزاً، كما جعل في بني آدم، ثم أنزل عليه القرآن لتشقَّق من خشية الله، وخوفاً أن لا يؤدِّيَ حق الله في تعظيم القرآن. و«الخاشع»: المتطأطىء الخاضع، و«المتصدِّع»: المتشقِّق. وهذا توبيخ لمن لا يحترم القرآن، ولا يؤثِّر في قلبه مع الفهم والعقل، وَيَدُلُّك على هذا المثل قوله تعالى: { وتلك الأمثال نضربها للناس } ثم أخبر بعظمته وربوبيته، فقال تعالى: { هو الله الذي لا إله إلا هو } قال الزجاج: قوله تعالى: { هو الله } ردٌّ على قوله تعالى: في أول السورة: { سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم }.

فأما هذه الأسماء، فقد سبق ذكر «الله»، و«الرحمن»، و«الرحيم» في (الفاتحة) وذكرنا معنى «عالم الغيب والشهادة» في [الأنعام:73]. و«الملك» في سورة [المؤمنين:116].

فأما «القدوس» فقرأ أبو الأشهب، وأبو نهيك، ومعاذ القارىء بفتح القاف. قال أبو سليمان الخطابي: «القدوس»: الطاهر من العيوب، المنزَّه عن الأنداد والأولاد. «والقدس»: الطهارة. ومنه سمي: بيت المقدس، ومعناه: المكان الذي يُتَطَهَّرُ فيه من الذنوب، وقيل للجنة: حظيرة القدس، لطهارتها من آفات الدنيا. والقدس: السطل الذي يتطهر فيه، ولم يأت من الأسماء على فُعُّول بضم الفاء الا «قُدُّوس»، و«سُبُّوح» وقد يقال أيضاً: قَدُّوس، وسَبُّوح، بالفتح فيهما، وهو القياس في الأسماء، كقولهم سَفَّود، وكَلُّوب.

فأما «السلام» فقال ابن قتيبة: سمى نفسه سلاماً، لسلامته مما يلحق الخلق من العيب والنقص والفناء. وقال الخطابي: معناه: ذو السلام. والسلام في صفة الله سبحانه: هو الذي سَلِمَ من كل عيب، وبرىء من كل آفة ونقص يلحق المخلوقين. قال: وقد قيل: هو الذي سَلِمَ الخلقُ من ظلمه.

فأما «المؤمن»، ففيه ستة أقوال.

أحدها: أنه الذي أَمِنَ الناسُ ظلمَهُ، وأَمِنَ مَنْ آمَنَ به عذابَهُ، قاله ابن عباس، ومقاتل.

والثاني: أنه المجير، قاله القرظي.

والثالث: الذي يصدِّق المؤمنين إذا وحَّدوه، قاله ابن زيد.

والرابع: أنه الذي وَحَّد نفسه، لقوله تعالى:شهد الله أنه لا إِله إلا هو } [آل عمران:18] ذكره الزجاج.

والخامس: أنه الذي يُصدِّق عباده وعده، قاله ابن قتيبة.

والسادس: أنه يصدِّق ظنون عباده المؤمنين، ولا يُخيِّب آمالَهم، كقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما يحكيه عن ربه عز وجل:أنا عند ظن عبدي بي } حكاه الخطابي.

فأما «المهيمن» ففيه أربعة أقوال.

أحدها: أنه الشهيد، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والكسائي. قال الخطابي: ومنه قوله تعالىومهيمناً عليه } [المائدة:48]، فالله الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قول أو فعل.

والثاني: أنه الأمين، قاله الضحاك، قال الخطابي: وأصله: مؤيمن، فقلبت الهمزة هاءً، لأن الهاء أخَفُّ عليهم من الهمزة.

السابقالتالي
2