الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } * { كَمَثَلِ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { كَمَثَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ ٱكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { ألم تر إلى الذين نافقوا } يعني: عبد الله بن أُبيٍّ وأصحابه { يقولون لإخوانهم } في الدِّين، لأنهم كفَّار مثلهم، وهم اليهود { لئن أُخرجتم } من المدينة { لنخرجنَّ معكم ولا نطيع فيكم } أي: في خذلانكم { أحداً أبداً } فكذَّبهم الله تعالى في ذلك بقوله: { والله يشهد إِنهم لكاذبون } ثم ذكر أنهم يُخلفونهم ما وعدوهم من الخروج والنصر بالآية التي تلي هذه، فكان الأمر على ما ذكره الله تعالى، لأنهم أُخرجوا فلم يخرج معهم المنافقون، وقُوتلوا فلم ينصروهم، ومعنى { ولئن نصروهم } لئن قُدِّر وجودُ نصرهم، لأن الله نفى نصرهم، فلا يجوز وجوده. وقوله تعالى: { ثم لا ينصرون } يعني: بني النضير.

قوله تعالى: { لأنتم أشد } يعني: المؤمنين أشد { رهبة في صدورهم } وفيهم قولان.

أحدهما: أنهم المنافقون، قاله مقاتل.

والثاني بنو النضير، قاله الفراء.

قوله تعالى: { لا يقاتلونكم جميعاً } فيهم قولان.

أحدهما: أنهم اليهود، قاله الأكثرون.

والثاني: اليهود والمنافقون، قاله ابو سليمان الدمشقي. والمعنى: أنهم لا يبرزون لحربكم، إنما يقاتلون مُتَحَصِّنين { في قرىً محصنة أو من وراء جُدُر، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبان «جدار» بألف. وقرأ نافع، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، «جُدُر» بضم الجيم والدَّال. وقرأ أبو بكر الصِّدِّيق، وابن أبي عبلة، «جَدَر» بفتح الجيم والدال جميعاً، وقرأ عمر بن الخطاب، ومعاوية، وعاصم الجحدري، «جَدْر» بفتح الجيم وسكون الدال. وقرأ علي بن أبي طالب، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعكرمة، والحسن، وابن سيرين، وابن يعمر، «جُدْر» بضم الجيم وإِسكان الدال { بأسُهم بينهم شديدٌ } فيما وراء الحصون شديد، وإذا خرجوا إِليكم فهم أجبن خلق الله.

قوله تعالى: { تحسبهم جميعاً } فيهم قولان.

أحدهما: أنهم اليهود والمنافقون، قاله مقاتل.

والثاني: بنو النضير، قاله الفراء.

قوله تعالى: { وقلوبهم شتى } قال الزجاج: أي: هم مختلفون لا تستوي قلوبهم، ولا يتعاونون بنيِّات مجتمعة، لأن الله تعالى ناصر حزبه، وخاذل أعدائه.

قوله تعالى: { ذلك } يعني: ذلك الاختلاف { بأنهم قوم لا يعقلون } ما فيه الحظُّ لهم. ثم ضرب لليهود مثلاً، فقال تعالى: { كمثل الذين من قبلهم قريباً } وفيه ثلاثة أقوال.

أحدها: بنو قينقاع، وكانوا وادعوا رسول الله، ثم غدروا، فحصروهم، ثم نزلوا، على حكمه، أن له أموالهم، ولهم النساء والذُّرِّية. فالمعنى: مثل بني النضير فيما فعل بهم كبني قينقاع فيما فعل بهم.

والثاني: أنهم كفار قريش يوم بدر، قاله مجاهد. والمعنى: مَثَلُ هؤلاء اليهود كمثلِ المشركين الذين كانوا من قبلهم قريباً، وذلك لقرب غزاة بني النضير من غزاة بدر.

والثالث: أنهم بنو قريظة، فالمعنى: مَثَلُ بني النضير كبني قريظة { ذاقوا وبال أمرهم } بأن قُتلت مقاتلتهم، وسُبِيَتْ ذراريهم، وهؤلاء أُجلوا عن ديارهم، فذاقوا وبال أمرهم { ولهم عذاب أليم } في الآخرة.

السابقالتالي
2 3