الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } * { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله تعالى: { الذين يظاهرون منكم من نسائهم } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو «يظَّهَّرون» بفتح الياء، وتشديد الظاء والهاء وفتحهما من غير ألف. وقرأ أبو جعفر، وابن عامر، وحمزة، والكسائي بفتح الياء، وتشديد الظاء، وبألف، وتخفيف الهاء. وقرأ عاصم «يُظاهِرون» بضم الياء، وتخفيف الظاء والهاء، وكسر الهاء في الموضعين مع إِثبات الألف. وقرأ ابن مسعود «يتظاهرون» بياءٍ، وتاءٍ، وألف. وقرأ أبي بن كعب «يتظَهَّرون» بياءٍ، وتاءٍ، وتخفيف الياء، وتشديد الهاء من غير ألف. وقرأ الحسن، وقتادة، والضحاك «يظهرون» بفتح الياء، وفتح الظاء، مخففة، مكسورة الهاء مشددة. والمعنى: تقولون لهن: أنتن كظهور أمهاتنا { ما هنَّ أمهاتِهم } قرأ الأكثرون بكسر التاء. وروى المفضل عن عاصم رفعها. والمعنى: ما اللواتي تجعلن كالأمهات بأمهات لهم { إن أمهاتهم } أي ما أمهاتهم { إلا اللائي وَلَدْنَهُم } قال الفراء: وانتصاب، «الأمهات» هاهنا بإلقاء الباء، وهي قراءة عبد الله «ما هُنَّ بأمهاتهم» ومثله:ما هذا بشراً } [يوسف:31]، المعنى: ما هذا ببشرٍ، فلما أُلقيت الباء أُبقي أثرها، وهو: النصب، وعلى هذا كلام أهلِ الحجاز. فأما أهل نجد، فإنهم إذا ألقوا الباء رفعوا، وقالوا: «ما هن أمهاتُهم» و«ما هذا بشرٌ» أنشدني بعض العرب:
رِكابُ حُسَيْلٍ آخِرَ الصَّيْفِ بُدَّنٌ   وَنَاقَةُ عَمْروٍ مَا يُحَلُّ لَها رَحْلُ
وَيَزْعُمُ حَسْلٌ أَنَّهُ فَرْعُ قَوْمِهِ   وَمَا أَنْتَ فَرْعٌ يا حُسَيْلُ وَلاَ أَصْلُ
قوله تعالى: { وإنهم } يعني: المظاهرين { ليقولون منكراً من القول } لتشبيههم الزوجات بالأمهات، والأمهات محرمات على التأبيد، بخلاف الزوجات. { وزوراً } أي: كذباً { وإن الله لَعَفُوٌ غَفُورٌ } إِذ شرع الكفارة لذلك.

قوله تعالى: { ثم يعودون لما قالوا } اللام في «لما» بمعنى «إلى» والمعنى: ثم يعودون إلى تحليل ما حرَّموا على أنفسهم من وطء الزوجة بالعزم على الوطء. قال الفراء: معنى الآية: يرجعون عما قالوا، وفي نقض ما قالوا. وقال سعيد بن جبير: المعنى: يريدون أن يعودوا إلى الجماع الذي قد حرَّموه على أنفسهم. وقال الحسن، وطاووس، والزهري: العَود: هو الوطء. وهذا يرجع إلى ما قلناه. وقال الشافعي: هو أن يمسكها بعد الظهار مدة يمكنه طلاقها فيه فلا يطلقها. فإذا وجد هذا، استقرت عليه الكفارة، لأنه قصد بالظهار تحريمها، فإن وصل ذلك بالطلاق فقد جرى على ما ابتدأه، وان سكت عن الطلاق، فقد ندم على ما ابتدأ به، فهو عود إلى ما كان عليه، فحينئذ تجب الكفارة. وقال داود: هو إِعادة اللفظ ثانياً، لأن ظاهر قوله تعالى: { يعودون } يدل على تكرير اللفظ. قال الزجاج: وهذا قول من لا يدري اللغة. وقال أبو علي الفارسي: ليس في هذا كما ادَّعَوا، لأن العود قد يكون إلى شيء لم يكن الإنسان عليه قبلُ، وسميت الآخرةُ معاداً، ولم يكن فيها أحد ثم عاد إليها.

السابقالتالي
2