الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } * { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

قوله تعالى: { يسعى نورهم } قال المفسرون: يضيء لهم نور عملهم على الصراط على قدر أعمالهم. قال ابن مسعود: منهم مَن نوره مثل الجبل، وأدناهم نوراً نوره على إبهامه يطفىء مرة، ويتَّقد أخرى. وفي قوله تعالى: { وبأيمانهم } قولان.

أحدهما: أنه كتبهم يعطَونها بأيمانهم، قاله الضحاك.

والثاني: أنه نورهم يسعى، أي: يمضي بين أيديهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم. والباء بمعنى: «في». و«في» بمعنى «عن» هذا قول الفراء.

قوله تعالى: { بشراكم اليوم } هذا قول الملائكة لهم.

قوله تعالى: { انظرونا نقتبس } وقرأ حمزة: «أنظِرونا» بقطع الهمزة، وفتحها، وكسر الظاء. قال المفسرون: يغشى الناس يوم القيامة ظلمة شديدة، فيعطَى المؤمنون النور، فيمشي المنافقون في نور المؤمنين، فإذا سبقهم المؤمنون قالوا: انظرونا نقتبس من نوركم { قيل: ارجعوا وراءكم } في القائل قولان.

أحدهما: أنهم المؤمنون، قاله ابن عباس.

والثاني: الملائكة، قاله مقاتل. وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال.

أحدها: ارجعوا إلى المكان الذي قبستم فيه النور، فيرجعون، فلا يرون شيئاً.

والثاني: ارجعوا فاعملوا عملاً يجعله الله لكم نوراً.

والثالث: أن المعنى: لا نور لكم عندنا { فضرب بينهم بسُور } قال ابن عباس: هو الأعراف، وهو سُورٌ بين الجنة والنار { باطنه فيه الرحمة } وهي: الجنة { وظاهره } يعني: من وراء السور { من قِبله العذاب } وهو جهنم. وقد ذهب قوم إلى أن هذا السور يكون ببيت المقدس في مكان السور الشرقي بين الوادي الذي يسمى: وادي جهنم، وبين الباب الذي يسمى: باب الرحمة، وإلى نحو هذا ذهب عبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو، وكعب.

قوله تعالى: { ينادونهم } أي: ينادي المنافقون المؤمنين من وراء السور: { ألم نكن معكم } أي: على دينكم نصلي بصلاتكم، ونغزو معكم؟! فيقول لهم المؤمنون: { بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم } قال الزجاج: استعملتموها في الفتنة. وقال غيره: آثمتموها بالنفاق { وتربَّصتم } فيه قولان.

أحدهما: تربَّصتم بالتوبة.

والثاني: تربَّصتم بمحمد الموتَ، وقلتم: يوشك أن يموت فنستريح { وارتبتم } شككتم في الحق { وغرَّتكم الأمانيُّ } يعني: ما كانوا يتمنَّون من نزول الدوائر بالمؤمنين { حتى جاء أمر الله } وفيه قولان.

أحدهما: أنه الموت.

والثاني: إلقاؤهم في النار { وغركم بالله الغَرور } أي: غركم الشطيان بحكم الله وإمهاله { فاليوم لا يؤخذ منكم فدية } وقرأ أبو جعفر، وابن عامر، ويعقوب «لا تؤخذ» بالتاء، أي: بدل وعوض عن عذابكم. وهذا خطاب للمنافقين، ولهذا قال تعالى: { ولا من الذين كفروا }.

قوله تعالى: { هي مولاكم } قال أبو عبيدة: أي: أولى بكم.