الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } * { وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } * { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } * { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } * { تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ } * { فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ } * { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

قوله تعالى: { فلولا } أي: فهلاَّ { إذا بلغت الحلقوم } يعني: النَّفْس، فترك ذِكرها لدلالة الكلام، وأنشدوا من ذلك:
إِذا حَشْرَجَتْ يَوْمَاً وضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ   
قوله تعالى: { وأنتم } يعني أهل الميت { تنظرون } إلى سلطان الله وأمره. والثاني: تنظرون إلى الإنسان في تلك الحالة، ولا تملكون له شيئاً { ونحن أقرب إليه منكم } فيه قولان.

أحدهما: ملك الموت أدنى إليه من أهله { ولكن لا تبصرون } الملائكة، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: ونحن أقرب إليه منكم بالعلم والقدرة والرؤية { ولكن لا تبصرون } أي: لا تعلمون، والخطاب للكفار، ذكره الواحدي.

قوله تعالى: { غير مدينين } فيه خمسة أقوال.

أحدها: محاسبين، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وابن جبير، وعطاء، وعكرمة.

والثاني: موقنين، قاله مجاهد.

والثالث: مبعوثين، قاله قتادة.

والرابع: مجزيين. ومنه يقال: دنِته، وكما تدين تدان، قاله أبو عبيدة.

والخامس: مملوكين أذَّلاء من قولك: دِنت له بالطاعة، قاله ابن قتيبة.

قوله تعالى: { ترجعونها } أي: تردُّون النَّفْس. والمعنى: إن جحدتم الإله الذي يحاسبكم ويجازيكم، فهلاَّ تردُّون هذه النَّفْس؟! فإذا لم يمكنكم ذلك، فاعلموا أن الأمر لغيركم.

قال الفراء: وقوله تعالى: { ترجعونها } هو جواب لقوله تعالى: { فلولا إِذا بلغت الحلقوم } ولقوله تعالى: { فلولا إن كنتم غير مدينين } فإنهما أجيبتا بجواب واحد. ومثله قوله تعالى:فإما يأتينّكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم } [البقرة: 38] ثم ذكر طبقات الخلق عند الموت فقال تعالى: { فأما إِن كان } يعني: الذي بلغت نَفْسه الحلقوم { من المقربين } عند الله. قال أبو العالية: هم السابقون { فَرَوْحٌ } أي: فَلَهُ رَوْحٌ. والجمهور يفتحون الراء. وفي معناها ستة أقوال.

أحدها: الفرح، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والثاني: الراحة، رواه أبو طلحة عن ابن عباس.

والثالث: المغفرة والرحمة، رواه العوفي عن ابن عباس.

والرابع: الجنة، قاله مجاهد.

والخامس: رَوْحٌ من الغَمّ الذي كانوا فيه، قاله محمد بن كعب.

والسادس: رَوْح في القبر، أي: طيب نسيم، قاله ابن قتيبة. وقرأ أبو بكر الصديق، وأبو رزين، والحسن، وعكرمة، وابن يعمر، وقتادة، ورويس عن يعقوب، وابن أبي سُريج عن الكسائي: «فَرُوْحٌ» برفع الراء. وفي معنى هذه القراءة قولان.

أحدهما: أن معناها: فرحمة، قاله قتادة.

والثاني: فحياة وبقاءٌ، قاله ابن قتيبة. وقال الزجاج: معناه: فحياة دائمة لا موت معها. وفي «الريحان» أربعة أقوال.

أحدها: أنه الرزق، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والثاني: أنه المستراح، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

والثالث: أنه الجنة، قاله مجاهد، وقتادة.

والرابع: أنه الريحان المشموم. وقال أبو العالية: لا يخرج أحد من المقربين من الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة، فيشمه، ثم تقبض فيه روحه، وإلى نحو هذا ذهب الحسن.

السابقالتالي
2