الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ } * { ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } * { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } * { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } * { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } * { أَفَرَءَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ } * { ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ } * { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } * { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ } * { أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ } * { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

{ أفرأيتم ما تحرُثونَ } أي: ما تعملون في الأرض من إثارتها، وإلقاء البذور فيها، { أأنتم تزرعونه } أي: تُنبِتونه؟! وقد نبَّه هذا الكلام على أشياء منها إحياء الموتى، ومنها الامتنان بإخراج القُوت، ومنها القدرة العظيمة الدالة على التوحيد.

قوله تعالى: { لجَعَلْناه } يعني الزرع { حُطاماً } قال عطاء: تبناً لا قمح فيه. وقال الزجاج: أبطلْناه حتى يكون محتطماً لا حنطة فيه، ولا شيء.

قوله تعالى: { فظَلْتُم } وقرأ الشعبي، وابو العالية، وابن أبي عبلة: «فظِلْتُم» بكسر الظاء؛ وقد بيناه في قوله:ظَلْتَ عليه عاكفاً } [طه: 97].

قوله تعالى: { تَفَكَّهونَ } وقرأ أُبيُّ بن كعب، وابن السميفع، والقاسم بن محمد، وعروة: «تَفَكَّنونَ» بالنون. وفي المعنى أربعة أقوال.

أحدها: تَعَحَّبون، قاله ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، ومقاتل. قال الفراء: تتعجَّبون ممّا نَزَل بكم في زرعكم.

والثاني: تَنَدَّمون، قاله الحسن، والزجاج. وعن قتادة كالقولين. قال ابن قتيبة: يقال: «تفكَّهون» تَنَدَّمون، ومثلها: تَفَكَّنونَ، وهي لغة لعُكْلٍ.

والثالث: تتلاومون، قاله عكرمة.

والرابع: تتفجَّعون، قاله ابن زيد.

قوله تعالى: { إنّا لَمُغْرَمونَ } قال الزجاج: أي: تقولون: قد غَرِمْنا وذهب زرعنا. وقال ابن قتيبة: «لَمُغْرَمونَ» أي: لَمُعَذَّبون.

قوله تعالى: { بل نحن محرومون } أي: حُرِمْنا ما كنّا نطلبه من الرّيع في الزرع. وقد نبَّه بهذا على أمرين.

أحدهما: إنعامه عليهم إذ لم يجعل زرعهم حُطاماً.

والثاني: قدرته على إهلاكهم كما قدر على إهلاك الزرع. فأمّا المُزْن، فهي السَّحاب، واحدتها: مُزْنة.

وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: { تُورُونَ } قال أبو عبيدة: تستخرجون، من أَوْرَيت، وأكثر ما يقال: وَرَيت. وقال ابن قتيبة: التي تَستخرجون من الزُّنود. قال الزجاج: «تورون» أي: تقدحون، تقول: أَوريتُ النّار: إذا قدحتَها.

قوله تعالى: { أأنتم أنشأتم شَجَرَتَها } في المراد بشجَرَتها ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها الحديد، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أنها الشجرة التي تُتَّخذ منها الزُّنود، وهو خشب يُحَكُّ بعضُه ببعض فتخرج منه النار، هذا قول ابن قتيبة، والزجاج.

والثالث: أن شجرتها: أصلُها، ذكره الماوردي.

قوله تعالى: { نحن جَعَلْناها تَذْكِرَةً } قال المفسرون: إذا رآها الرائي ذكر نار جهنم، وما يخاف من عذابها، فاستجار بالله منها { ومتاعاً } أي: منفعة { للمقوين } وفيهم أربعة أقوال.

أحدها: أنهم المسافرون، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك. قال ابن قتيبة: سموا بذلك لنزلهم القَوَى، وهو القفر. وقال بعض العلماء: المسافرون أكثر حاجة إِليها من المقيمين، لأنهم إِذا أوقدوها هربت منهم السباع واهتدى به الضال.

والثاني: أنهم المسافرون والحاضرون، قاله مجاهد.

والثالث: أنهم الجائعون، قال ابن زيد: المقوي: الجائع في كلام العرب.

والرابع: أنهم الذين لا زاد معهم ولا مردَّ لهم، قاله أبو عبيدة.

قوله تعالى: { فسبح باسم ربك العظيم } قال الزجاج: لما ذكر ما يدل على توحيده، وقدرته، وإنعامه، قال: «فسبح» أي: برِّء الله ونزّهه عما يقولون في وصفه. وقال الضحاك: معناه: فصل باسم ربك، أي: استفتح الصلاة بالتكبير. وقال ابن جرير: سبح بذكر ربك وتسميته. وقيل: الباء زائدة. والاسم يكون بمعنى الذات، والمعنى: فسبح ربك.