الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } * { فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ } * { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } * { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } * { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } * { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } * { أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } * { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ } * { لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ } * { لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } * { فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } * { فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ } * { فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ } * { هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدِّينِ }

قوله تعالى: { ما أصحابُ الشِّمال } قد بيَّنّا أنه بمعنى التعجُّب من حالهم؛ والمعنى: ما لهم، وما أُعدَّ لهم من الشَّرِّ؟! ثم بيَّن لهم سوء مُنْقَلَبهم فقال: { في سَموم } قال ابن قتيبة: هو حَرُّ النّار.

قوله تعالى: { وظِلٍّ من يَحْمومٍ } قال ابن عباس: ظِلّ من دخان. قال الفراء: اليَحْموم: الدُّخان الأسود، { لا باردٍ ولا كريمٍ } فوجه الكلام الخفض تبعاً لما قبله، ومثلهزَيْتونةٍ لا شرقيةٍ ولا غربيَّةٍ } [النور: 35]، وكذلك قوله: { وفاكهةٍ كثيرةٍ، لا مقطوعةٍ ولا ممنوعةٍ } ، ولو رفعتَ ما بعد «لا» كان صواباً، والعرب تجعل الكريم تابعاً لكل شيء نفت عنه فعلاً يُنوي [به] الذم، فتقول: ما هذه الدار بواسعة ولا كريمة، وما هذا بسمين ولا كريم. قال ابن عباس: لا بارد المدخل ولا كريم المنظر.

قوله تعالى: { إِنهم كانوا قَبْلَ ذلك } أي: في الدنيا { مُتْرَفِينَ } أي: متنعِّمين في ترك أمر الله، فشغلهم تَرفُهم عن الاعتبار والتعبُّد.

{ وكانوا يُصِرُّونَ } أي: يُقيمون { على الحِنْث } وفيه أربعة أقوال.

أحدها: أنه الشِّرك، قاله ابن عباس، والحسن، والضحاك، وابن زيد.

والثاني: الذَّنْب العظيم الذي لا يتوبون منه، قاله مجاهد. وعن قتادة كالقولين.

والثالث: أنه اليمين الغموس، قاله الشعبي.

والرابع: الشِّرك والكفر بالبعث، قاله الزجاج.

قوله تعالى: { أَوَ آباؤنا الأوَّلون } قال أبو عبيدة: الواو متحركة لأنها ليست بواو «أو»، إنما هي «وآباؤنا»، فدخلت عليها ألف الاستفهام فتُركتْ مفتوحة. وقرأ أهل المدينة، وابن عامر: «أَوْ آباؤنا» بإسكان الواو.

وقد سبق بيان ما لم يُذْكَر هاهنا [هود:103، الصافات:62، الأنعام:70] إلى قوله: { فشاربونَ شُربَ الهِيمِ } قرأ أهل المدينة، وعاصم، وحمزة: «شُرْبَ» بضم الشين؛ والباقون بفتحها. قال الفراء: والعرب تقول: شَرِبْتُه شُرْباً، وأكثر أهل نجد يقولون: شَرْباً بالفتح، أنشدني عامَّتهم:
تَكْفيهِ حَزَّةُ فِلْذٍ إِنْ أَلمَّ بها   من الشِّواءِ ويَكْفِي شَرْبَهُ الغُمَرُ
وزعم الكسائي أن قوماً من بني سعد بن تميم يقولون: «شِرْبَ الهِيم» بالكسر. وقال الزجاج: «الشَّرْب» المصدر، و«الشُّرْب» بالضم: الاسم، قال: وقد قيل: إنه مصدر أيضاً.

وفي «الهِيم» قولان.

أحدهما: الإبل العِطاش، رواه ابن أبي طلحة والعوفيُّ عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة، وعطاء، والضحاك، وقتادة. قال ابن قتيبة: هي الإبل يُصيبها داءٌ فلا تَرْوَى من الماء، يقال: بعيرٌ أَهْيَمُ، وناقةٌ هَيْماءُ.

والثاني: أنها الأرض الرَّملة التي لا تَرْوَى من الماء، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً. قال أبو عبيدة: الهِيم: ما لا يَرْوَى من رَمْل أو بعير.

قوله تعالى: { هذا نُزُلُهم } أي: رزقهم. ورواه عباس عن أبي عمرو: «نُزْلُهم» بسكون الزاي، أي: رزقهم وطعامهم. وفى «الدِّين» قولان قد ذكرناهما فى «الفاتحة».