الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } * { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } * { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } * { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } * { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } * { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ } * { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } * { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } * { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ }

قوله تعالى: { إنَّ المجرمينَ في ضلالٍ وسُعُرٍ } في سبب نزولها قولان.

أحدهما: أن مشركي مكة جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخاصِمونَ في القدَرَ، فنزلت هذه الآية إلى قوله: { خَلَقْناه بقَدَرٍ } انفرد بإخراجه مسلم من حديث أبي هريرة وروى أبو أُمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن هذه الآية نزلت في القَدَريَّة ". والثاني: " أن أُسْقُف نَجران جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم فقال: يا محمد تزعُم أن المعاصي بقَدر، وليس كذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم خُصَماءُ الله» " ، فنزلت: { إِن المجرمين } إلى قوله { بقَدرٍ } ، قاله عطاء.

قوله تعالى: { وسُعُرٍ } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: الجنون.

والثاني: العَناء، وقد ذكرناهما في صدر السورة.

والثالث: أنه نار تَسْتَعِرُ عليهم، قاله الضحاك.

فأمّا { سَقَر } فقال الزجّاج: هي اسم من أسماء جهنَّم لا ينصرف لأنها معرفة، وهي مؤنَّثة. وقرأت على شيخنا أبي منصور قال: سَقَر: اسم لنار الأخرة أعجميّ، ويقال: بل هو عربيّ، من قولهم: سَقَرَتْه الشمس: إذا أذابته، سمِّيتْ بذلك لأنها تُذيب الأجسام. وروى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جَمَع اللهُ الخلائق يوم القيامة أمر منادياً فنادى نداءً يسمعُه الأوَّلون والآخرون: أين خُصَماءُ اللهِ؟ فتقوم القَدريَّة، فيؤمر بهم إلى النار " ، يقول الله تعالى: { ذُوقُوا مَسَّ سَقَر إنّا كُلَّ شيء خلقناه بقَدرٍ } ، وإنما قيل لهم: «خُصَماء الله» لأنهم يُخاصمون في أنه لا يجوز أن يُقَدِّر المعصية على العَبْد ثم يعذِّبه عليها. وروى هشام بن حسان عن الحسن قال: واللهِ لو أنِّ قدريّاً صام حتى يصير كالحَبْل، ثم صلَّى حتى يصير كالوتر، ثم أخذ ظلماً وزُوراً حتى ذُبح بين الرُّكْن والمقام لكَبَّه اللهُ على وجهه في سَقَر «إنّا كُلَّ شيءٍ خلقناه بقدرٍ». وروى مسلم في أفراده من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كُلُّ شيء بقدرٍ حتى العَجْزُ والكَيْسُ " وقال ابن عباس: كل شيء بقدرٍ حتى وضعُ يدك على خدِّك. وقال الزجّاج: معنى «بقَدَرٍ» أي: كل شيء خلقناه بقدرٍ مكتوبٍ في اللوح المحفوظ. قبل وقوعه، ونصب «كُلَّ شيءٍ» بفعل مضمر؛ المعنى: إنّا خلقنا كلَّ شيء خلقناه بقَدرٍ.

قوله تعالى: { وما أمْرُنا إلاّ واحدةٌ } قال الفراء: أي: إلاّ مرَّة واحدة، وكذلك قال مقاتل: مرَّة واحدة لا مثنوّية لها. وروى عطاء عن ابن عباس قال يريد: إِن قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر. وقال ابن السائب: المعنى: وما أمرنا بمجيء الساعة في السُّرعة إلاّ كلَمْح البصر.

السابقالتالي
2