الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } * { فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } * { أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } * { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ } * { إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَٱرْتَقِبْهُمْ وَٱصْطَبِرْ } * { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } * { فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } * { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } * { وَلَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }

قوله تعالى: { كذَّبَتْ ثمودُ بالنُّذُر } فيه قولان.

أحدهما: أنه جمع نذير. وقد بيَّنّا أن من كذَّب نبيّاً واحداً فقد كذَّب الكُلَّ.

والثاني: أن النُّذُر بمعنى الإنذار كما بيَّنّا في قوله: «فكيف كان عذابي ونُذُرِ»؛ فكأنهم كذَّبوا الإنذار الذي جاءهم به صالح، { قالوا أبَشَراً مِنّا } قال الزجاج: هو منصوب بفعل مُضْمَر والذي ظهر تفسيره، المعنى: أنتبع بَشَراً مِنّا { واحداً } ، قال المفسرون: قالوا: هو آدميّ مِثْلَنا، وهو واحد فلا نكون له تَبَعاً { إنّا إذاً } إن فعلنا ذلك { لَفي ضلالٍ } أي: خطأٍ وذهاب عن الصواب { وسُعُرٍ } قال ابن عباس: أي: جنون. قال ابن قتيبة: هو من: تَسَعَّرتِ النّارُ: إذا التَهبتْ، يقال: ناقةٌ مَسْعُورةٌ، أي: كأنها مجنونة من النشاط. وقال غيره: لَفي شقاءٍ وعَناءٍ لأجل ما يلزمنا من طاعته.

ثم أنْكَروا أن يكون الوحي يأتيه فقالوا: { أَأُلْقِي الذِّكْرُ؟ } أي: أَنَزَل الوحيُ { عليه مِنْ بينِنا } أي: كيف خُصَّ من بيننا بالنُّبوَّة والوحي؟! { بل هو كذّابٌ أشِرٌ } وفيه قولان.

أحدهما: أنه المَرِح المتكبِّر، قاله ابن قتيبة.

والثاني: البَطِر، قاله الزجاج.

قوله تعالى: { سيَعْلَمونَ غداً } قرأ ابن عامر وحمزة: «ستَعلمون» بالتاء «غداً» فيه قولان.

أحدهما: يوم القيامة، قاله ابن السائب.

والثاني: عند نزول العذاب بهم، قاله مقاتل.

قوله تعالى: { إنا مُرْسِلوا النّاقةِ } وذلك أنهم سألوا صالحاً أن يُظْهِر لهم ناقةً من صخرة، فقال الله تعالى: «إنّا مُرْسِلوا النّاقةِ» أي: مُخرجوها كما أرادوا { فِتنةً لهم } أي: مِحنةً واختباراً { فارتَقِبْهم } أي: فانتظر ما هم صانعون { واصْطَبِر } على ما يُصيبُك من الأذى، { ونَبِّئْهم أنَّ الماءَ قسمةٌ بينهم } أي: بين ثمود وبين الناقة، يوم لها ويوم لهم، فذلك قوله: { كُلُّ شِرْبٍ مُحتضَرٌ } يحضُرُهُ صاحبُه ويستحقُّه.

قوله تعالى: { فنادَوا صاحبَهم } واسمه قُدار بن سالف { فتعاطى } قال ابن قتيبة: تعاطى عَقْر الناقة { فعَقَر } أي: قتل؛ وقد بيَّنا هذا في [الأعراف: 77].

قوله تعالى: { إنا أرسلنا عليهم صَيْحةً واحدةً } وذلك أن جبريل عليه السلام صاح بهم؛ وقد أشرنا إلى قصتهم في [هود: 61] { فكانوا كهَشِيم المُحتظِر } قال ابن عباس: هو الرجُل يجعل لغنمه حظيرة بالشَّجر والشوك دون السِّباع، فما سقط من ذلك وداسته الغنمُ، فهو الهَشيم. وقد بيَّنا معنى «الهشيم» في [الكهف: 45]. وقال الزجَّاج: الهَشيم: ما يَبِس من الورق وتكسَّر وتحطَّم، والمعنى: كانوا كالهَشِيم الذي يجمعه صاحبُ الحظيرة بعد أن بلغ الغاية في الجفاف، فهو يُجمع لِيوقد. وقرأ الحسن: «المُحتظَرِ» بفتح الظاء، وهو اسم الحظيرة؛ والمعنى: كهشيم المكان الذي يُحتظَر فيه الهشيم من الحطب. وقال سعيد بن جبير: هو التراب الي يتناثر من الحيطان. وقال قتادة: كالعظام النَّخِرة المحترقة. والمراد من جميع ذلك: أنهم بادوا وهلكوا حتى صاروا كالشيء المتحطِّم.