الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } * { وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } * { وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } * { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } * { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ }

وهي مكيَّة بإجماعهم، وقال مقاتل: مكِّيَّة غير آيةسيُهْزمُ الجَمْعُ } [القمر: 45]، وحكي عنه أنه قال: إلاّ ثلاث آيات، أولها:أم يقولون نحنُ جميعٌ مْنتَصِرٌ } [القمر:44] إلى قولهوأمَرُّ } [القمر: 46]، قال ابن عباس: " اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن كنت صادقاً فشُقَّ لنا القمر فرقتين، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن فعلتُ تؤمنون؟» قالوا: نعم، فسأل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ربَّه أن يُعطيَه ما قالوا، فانشقَّ القمر فرقتين، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم ينادي: «يا فلان يا فلان اشْهَدوا» " وذلك بمكة قبل الهجرة. وقد روى البخاري ومسلم في «صحيحيهما» من حديث ابن مسعود قال: " انشقَّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقَّتين، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اشْهَدوا» " وقد روى حديث الانشقاق جماعةٌ، منهم عبد الله بن عمر، وحذيفة، وجبير بن مطعم، وابن عباس، وأنس بن مالك، وعلى هذا جميع المفسرين، إلاّ أن قوماً شذُّوا فقالوا: سيَنْشَقُّ يوم القيامة. وقد روى عثمان بن عطاء عن أبيه نحو ذلك، وهذا القول الشاذ لا يقاوم الإجماع، ولأن قوله: { وانْشَقَّ } لفظ ماض، وحَمْلُ لفظ الماضي على المستقبل يفتقر إلى قرينة تنقله ودليل، وليس ذلك موجوداً. وفي قوله: «وإن يَروا آيةً يُعْرضوا» دليل على أنه قد كان ذلك. ومعنى { اقْتَربَت }: دنَتْ؛ و { الساعةُ } القيامة. وقال الفراء: فيه تقديم وتأخير، تقديره: انشقَّ القمر واقتربت الساعة. وقال مجاهد: انشقَّ القمر فصار فِرقتين، فثبتت فِرقة، وذهبت فِرقة وراء الجبل. وقال ابن زيد: لمّا انشقَّ القمر كان يُرى نصفُه على قُعيَقِعَانَ، والنصف الآخر على أبي قُبيس. قال ابن مسعود: لمّا انشقَّ القمر قالت قريش: سحركم ابن أَبي كبشة، فاسألوا السُّفَّار، فسألوهم، فقالوا: نعم قد رأيناه، فأنزل اللهُ عز وجل: «اقتربتِ السّاعةُ وانشَقَّ القمر».

قوله تعالى: { وإنْ يروا آيةً } أي: آية تدُلُّهم على صدق الرسول، والمراد بها هاهنا: انشقاق القمر { يُعْرضوا } عن التصديق { ويقولوا سِحْرٌ مستمرٌّ } فيه ثلاثة أَقوال.

أحدها: ذاهبٌ، من قولهم: مَرَّ الشيءُ واستمرَّ: إذا ذهب، قاله مجاهد، وقتادة، والكسائي، والفراء؛ فعلى هذا يكون المعنى: هذا سِحر، والسِّحر يذهب ولا يثبت.

والثاني: شديدٌ قويٌّ، قاله أبو العالية، والضحاك، وابن قتيبة، قال: وهو مأخوذ من المِرَّة، والمِرَّة: الفَتْل.

والثالث: دائمٌ، حكاه الزجّاج.

قوله تعالى: { وكذَّبوا } يعني كذَّبوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم وما عاينوا من قُدرة الله تعالى { واتَّبَعوا أَهواءَهم } ما زيَّن لهم الشيطانُ { وكُلُّ أمْرٍ مُسْتَقِرٌّ } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أن كُلَّ أمْر مستقِرٌّ بأهله، فالخير يستقِرُّ بأهل الخير، والشر يستقِرُّ بأهل الشر، قاله قتادة.

السابقالتالي
2