الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } * { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ } * { وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } * { وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } * { مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ } * { وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ } * { وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } * { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ } * { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ } * { وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ } * { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ } * { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } * { فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ }

{ وأنَّ إلى ربِّك المُنتهى } أي: مُنتهى العباد ومَرجِعهُم. قال الزجاج: هذا كُلُّه في صحف إبراهيم وموسى.

قوله تعالى: { وأنَّه هو أضْحك وأبْكى } قالت عائشة: " مَرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقوم يضحكون، فقال: لو تَعْلَمونَ ما أعْلَمُ لَضَحِكتم قليلاً، ولبَكَيتم كثيراً " ، فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية، فرجع إليهم، فقال: ما خطَوْتُ أربعينَ خطوة حتى أتاني جبريل، فقال: إئت هؤلاء فقُل لهم: إن الله يقول: وأنَّه هو أضحك وأبْكى، وفي هذا تنبيه على أن جميع الأعمال بقضاء الله وقدره حتى الضحك والبُكاء. وقال مجاهد: أضْحكَ أهلَ الجَنَّة، وأبكى أهل النّار. وقال الضحاك: أضْحَك الأرض بالنبات. وأبكى السماءَ بالمطر.

قوله تعالى: { وأنَّه هو أمات } في الدُّنيا { وأحْيا } للبعث.

{ وأنَّه خَلَق الزَّوجَين } أي: الصِّنفين { الذَّكر والأنثى } من جميع الحيوانات، { مِنْ نُطْفة إذا تُمْنى } فيه قولان.

أحدهما: إذا تُراق في الرَّحِم، قاله ابن السائب.

والثاني: إذا تُخْلق وتُقَدَّر، { وأنَّ عليه النَّشْأةَ الأخْرى } وهي الخَلْق الثاني للبعث يوم القيامة.

{ وأنَّه هو أغْنى } فيه أربعة أقوال.

أحدها: أغنى بالكفاية، قاله ابن عباس.

والثاني: بالمعيشة، قاله الضحاك.

والثالث: بالأموال، قاله أبو صالح.

والرابع: بالقناعة، قاله سفيان.

وفي قوله: { أقنى } ثلاثة أقوال:

أحدها: أرْضى بما أعطى، قاله ابن عباس.

والثاني: أخْدم، قاله الحسن، وقتادة، وعن مجاهد كالقولين.

والثالث: جعل للإنسان قِنْيَةً، وهو أصل مال، قاله أبو عبيدة.

قوله تعالى: { وأنَّه هو ربُّ الشِّعْرى } قال ابن قتيبة: هو الكوكب الذي يطْلُع بعد الجَوْزاء، وكان ناس من العرب يعبُدونها.

قوله تعالى: { وأنَّه أهلك عاداً الأولى } قرأ ابن كثير، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «عاداً الأولى» منوَّنة. وقرأ نافع، وأبو عمرو: «عاداً لُولى» موصولة مدغمة. ثم فيهم قولان.

أحدهما: أنهم قوم هود، وكان لهم عقب فكانوا عاداً الأخرى، هذا قول الجمهور.

والثاني: أن قوم هود هم عادٌ الأخرى، وهم من أولاد عادٍ الأولى، قاله كعب الأحبار. وقال الزجاج: وفي «الأولى» لغات، أجودها سكون اللام وإثبات الهمزة، والتي تليها في الجودة ضم اللام وطرح الهمزة، ومن العرب من يقول: لُولى، يريد: الأُولى، فتطرح الهمزة لتحرّك اللاّم.

قوله تعالى: { وقومَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ } أي: مِن قَبْل عادٍ وثمودَ { إنَّهم كانوا هُمْ أظلمَ وأطغى } من غيرهم، لطول دعوة نوح إيّاهم، وعتوّهم.

{ والمُؤتفِكةُ } قُرى قوم لوط { أهوى } [أي]: أسقط، وكان الذي تولَّى ذلك جبريل بعد أن رفعها، وأتبعهم اللهُ بالحجارة، فذلك قوله: { فغشّاها } أي: ألبسها { ما غشَّى } يعني الحجارة { فبأيِّ آلاءِ ربِّكَ تتمارى } هذا خطاب للإنسان، لمّا عدَّد اللهُ ما فعله ممّا يَدلُّ على وحدانيَّته قال: فبأيِّ نِعم ربِّك التي تدُلُّ على وحدانيَّته تتشكَّك؟ وقال ابن عباس: فبأي آلاءِ ربِّك تكذِّب يا وليد، يعني [الوليد] بن المغيرة.