الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } * { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } * { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } * { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ } * { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } * { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } * { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } * { وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ } * { ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ }

قوله تعالى: { أفرأيتَ الذي تَولَّى } اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال.

أحدها: أنه الوليد بن المغيرة، وكان قد تَبِع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه، فعيَّره بعضُ المشركين، وقال: تركتَ دين الأشياخ وضللَّتَهم؟ قال: إنِّي خشيتُ عذابَ الله، فضَمِن له إن هو أعطاه شيئاً من ماله ورجَع إلى شِركه أن يتحمَّل عنه عذابَ الله عز وجل ففعل، فأعطاه بعضَ الذي ضَمِن له، ثم بَخِل ومنعه، فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد، وابن زيد.

والثاني: أنه النَّضر بن الحارث أعطى بعضَ الفقراء المسلمين خمسَ قلائص حتى ارتدَّ عن إسلامه، وضَمِن له أن يَحْمِل عنه إثمه، قاله الضحاك.

والثالث: أنه أبو جهل، وذلك أنه قال: واللهِ ما يأمُرُنا محمدٌ إلاّ بمكارم الأخلاق، قاله محمد بن كعب القرظي.

والرابع: أنه العاص بن وائل السهمي، وكان رَّبما وافق رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأُمور، قاله السدي.

ومعنى «تَولَّى»: أعرضَ عن الإيمان.

{ وأعطى قليلاً } فيه أربعة أقوال.

أحدها: أطاع قليلاً ثم عصى. قاله ابن عباس.

والثاني: أعطى قليلاً من نَفْسه بالاستماع ثم أكدى بالانقطاع، قاله مجاهد.

والثالث: أعطى قليلاً من ماله ثم مَنَع، قاله الضحاك.

والرابع: أعطى قليلاً من الخير بلسانه ثم قطع، قاله مقاتل. قال ابن قتيبة: ومعنى «أَكْدَى»: قَطَع، وهو من كُدْية الرَّكِيَّة، وهي الصَّلابة فيها، وإذا بلغها الحافر يئس من حَفْرها، فقطع الحَفْر، فقيل لكل من طلب شيئاً فلم يبلُغ آخِرَه، أو أعطَى ولم يُتِمَّ: أَكْدَىَ.

قوله تعالى: { أعِنْدَهُ عِلْمُ الغَيْبِ فَهُوَ يَرَى } فيه قولان.

أحدهما: فهو يرى حاله في الآخرة، قاله الفراء.

والثاني: فهو يعلم ما غاب عنه من أمر الآخرة وغيرها، قاله ابن قتيبة.

قوله تعالى: { أَمْ لَمْ يُنَبَّأُ بِما في صُحُف موسى } يعني التوراة، { وإبراهيمَ } أي: وصحف إبراهيم. وفي حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن الله تعالى أَنزل على إبراهيمَ عشر صحائف، وأنزل على موسى قَبْلَ التَّوراة عشر صحائف ". قوله تعالى: { الذي وَفَّى } قرأ سعيد بن جبير، وأبو عمران الجوني، وابن السميفع اليماني «وَفَى» بتخفيف الفاء. قال الزجاج: قوله: «وَفَّى» أبلغ من «وَفَى»، لأن الذي امتُحن به مِنْ أعظمِ المِحن. وللمفسرين في الذي وفَّى عشرة أقوال.

أحدها: أنه وفَّى عملَ يومه بأربع ركعات في أول النهار، رواه أبوأُمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والثاني: أنه وفَّى في كلمات كان يقولها. روى سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ألا أُخْبِرُكم لِمَ سمَّى اللهُ إِبراهيمَ خليله [الذي وفَّى]؟ "

السابقالتالي
2