الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } * { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ } * { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } * { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } * { وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ } * { فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ } * { فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ } * { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } * { وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } * { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }

قوله تعالى: { وفي موسى } اي: وفيه ايضاً آية { إذ أَرسلْناه إلى فرعون بسُلطان مُبِينٍ } اي: بحُجَّة ظاهرة { فتولَّى } اي: أعرَضَ { بِرُكْنه } قال مجاهد: بأصحابه. وقال ابو عبيدة: «بِرُكْنه» و«بجانبه» سواء، إنما هي ناحيته، { وقال ساحرٌ }: اي وقال لموسى: هذا ساحر { أو مجنونٌ } وكان أبو عبيدة يقول «أو» بمعنى الواو. فأمّا «الَيمُّ» فقد ذكرناه في [الأعراف: 136] و«مُليم» في [الصافات: 142].

قوله تعالى: { وفي عاد } اي: في إهلاكهم آية ايضاً { إذ أَرسلْنا عليهم الرِّيحُ العَقيم } وهي التي لا خَير فيها ولا بَرَكة، لا تُلْقِح شجراً ولا تَحْمِل مطراً، وإنما هي للإهلاك. وقال سعيد بن المسيّب: هي الجَنُوب.

{ ما تَذَر من شيء أَتَتْ عليه } أي: من أنفُسهم وأموالهم { إلا جَعلتْه كالرَّميم } اي: كالشيء الهالك البالي. قال الفراء: الرَّميم: نبات الأرض إذا يَبِس وَدِيس. وقال الزجاج: الرَّميم: الورَق الجافّ المتحطِّم مثل الهشيم.

{ وفي ثمودَ } آيةٌ ايضاً { إذ قيل لهم تَمتَّعوا حتَّى حِين } فيه قولان.

أحدهما: أنه قيل لهم: تَمتَّعوا في الدُّنيا إلى وقت انقضاء آجالكم تهدُّداً لهم.

والثاني: أن صالحاً قال لهم بعد عَقْر النّاقة: تَمتَّعوا ثلاثة أيام؛ فكان الحِين وقتَ فناء آجالهم، { فَعتْوا عن أَمْر ربِّهم } قال مقاتل: عصوا أَمْره { فأخذَتْهم الصاعقة } يعني العذاب، وهو الموت من صيحة جبريل. وقرأ الكسائي وحده «الصَّعْقةُ» [بسكون العين من غير الف]؛ وهي الصَّوت الذي يكون عن الصاعقة.

قوله تعالى: { وهم ينظُرونَ } فيه قولان.

أحدهما: يَرَوْن ذلك عِياناً. والثاني: وهم يَنتظرون العذاب، فأتاهم صيحةٌ يومَ السبت.

قوله تعالى: { فما استطاعوا من قيام } فيه قولان.

أحدهما: ما استطاعوا نُهوضاً من تلك الصَّرعة.

والثاني: ما أطاقوا ثُبوتاً لعذاب الله. { وما كانوا منتصِرين } أي: ممتنعين من العذاب.

قوله تعالى: { وقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ } قرأ أبو عمرو إلاّ عبد الوارث، وحمزة، والكسائي: بخفض الميم، وروى عبد الوارث رفع الميم، والباقون بنصبها. قال الزجاج: من خفض القوم فالمعنى: وفي قومِ نوحٍ آيةٌ، ومن نصب فهو عطف على معنى قوله «فأخذتْهم الصّاعقةُ» فإن معناه: أهلكْناهم، فيكون المعنى: وأهلَكْنا قومَ نوح، والأحسن ـ والله أعلم ـ أن يكون محمولاً على قوله «فأخذْناه وجنوده فنبذنْاهم في اليمِّ» لأن المعنى: أغرقناه، وأغرقْنا قومَ نوح.

{ والسماء بنيناها } المعنى: وبنينا السماء بنيناها { بأَيْدٍ } أي: بقْوَّة، وكذلك قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وسائر المفسرين واللغويين «بأيد» اي: بقُوَّة.

وفي قوله: { وإنّا لَموسِعونَ } خمسة أقوال.

أحدها: لموسِعون الرِّزق بالمطر، قاله الحسن. والثاني: لموسِعون السماء، قاله ابن زيد. والثالث: لقادرون، قاله ابن قتيبة. والرابع: لموسِعون ما بين السماء والأرض، قاله الزجاج. والخامس: لذو سعة لا يضيق عمّا يريد، حكاه الماوردي.

قوله تعالى: { والأرض فرشناها فنِعْم الماهدون } قال الزجاج: هذا عطفٌ على ما قبله منصوبٌ بفعل مُضْمر محذوف يدلُّ عليه قوله: «فرشْناها»، فالمعنى: فرشْنا الأرض فرشْناها «فنِعْم الماهدون» أي: فنِعْم الماهدون نحن.

السابقالتالي
2