الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } * { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } * { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } * { مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } * { ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ } * { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } * { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ }

{ يومَ نقول لجهنم } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر؛ وحمزة، والكسائي: «يومَ نقول» بالنون المفتوحة وضم القاف. [وقرأ نافع، وأبو بكر، والمفضل عن عاصم: «يومَ يقول» بالياء المفتوحة وضم القاف]. وقرأ أُبيُّ بن كعب، والحسن، وعبد الوارث عن أبي عمرو: «يومَ يُقال» بياء مضمومة وفتح القاف وإثبات ألف. قال الزجاج: وانتصاب «يومَ» على وجهين، أحدهما: على معنى: ما يُبدَّل القولُ لديَّ في ذلك اليوم. والثاني: على معنى: وأَنْذِرْهم يومَ نقولُ لجهنم.

فأمّا فائدة سؤاله إيّاها، وقد عَلِم هل امتلأتْ أم لا، فإنه توبيخ لمن أُدْخِلها، وزيادة في مكروهه، ودليل على تصديق قوله:لأَملأنَّ جهنمَ } [الأعراف:18].

وفي قولها: { هل من مزيد } قولان عند أهل اللغة.

أحدهما: أنها تقول ذلك بعد امتلائها، فالمعنى: هل بقي فيَّ موضعٌ لم يمتلىء؟ أي: قد امتلأتُ.

والثاني: أنها تقول تغيُّظاً على من عصى اللهَ تعالى، وجَعَلَ اللهُ فيها أن تميِّز وتخاطِب، كما جَعَلَ في النملة أن قالت:أُدخُلوا مساكنَكم } [النمل:18] وفي المخلوقات أن تسبِّح بحمده.

قوله تعالى: { وأُزلِفَتِ الجَنَّة للمُتَّقين } اي: قُرِّبت للمُتَّقين [الشركَ] { غيرَ بَعيدٍ } أي: جُعلتْ عن يمين العرش حيث يراها أهلُ الموقف، ويقال لهم: { هذا } الذي ترونه { ما تُوعَدونَ } وقرأ عثمان بن عفان، وابن عمر، ومجاهد، وعكرمة، وابن محيصن: «يُوعَدونَ» بالياء { لكُلِّ أوَّاب } وفيه أقوال قد ذكرناها في [بني إسرائيل: 25] وفي { حفيظٍ } قولان.

أحدهما: الحافظ لذنوبه حتى يرجع عنها، قاله ابن عباس.

والثاني: الحافظ لأمر الله تعالى، قاله مقاتل.

قوله تعالى: { من خَشِيَ الرَّحمنَ بالغيبِ } قد بيَّنّاه في [الأنبياء: 49] { وجاء بقلبٍ مُنيبٍ } أي: راجع إلى طاعة الله عن معصيته.

{ أُدخلوها } أي: يقال لهم: أُدخلوا الجنة { بسلام } وذلك أنهم سَلِموا من عذاب الله، وسلموا فيها من الغُموم والتغيُّر والزَّوال، وسلَّم اللهُ وملائكتُه عليهم { ذلك يومُ الخُلود } في الجنة، لأنه لا موت فيها ولا زوال.

{ لهم ما يشاؤون فيها } وذلك أنهم يَسألون الله حتى تنتهي مسائلُهم، فيُعْطَوْن ما شاؤوا، ثم يَزيدُهم ما لم يَسألوا، فذلك قوله: { ولدينا مَزيدٌ } وللمفسرين في المراد بهذا المزيد ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه النظر إلى الله عز وجل؛ روى عليٌ رضي الله عنه عن النبي عليه السلام في قوله: «ولدينا مَزيدٌ» قال: يتجلَّى لهم. وقال أنس بن مالك: في قوله «ولدينا مزيد» يتجلَّى لهم الرب تعالى في كل جمعة.

والثاني: أن السحاب يَمُرَّ بأهل الجنة، فيمطرهم الحورَ، فتقول الحور: نحن اللواتي قال الله عزل وجل: «ولدينا مزيد»، حكاه الزجاج.

والثالث: أن الزِّيادة على ما تمنَّوه وسألوا ممّا لم تسمع به أذن ولم يخطُر على قلب بشر، ذكره أبو سليمان الدمشقي.

ثم خوَّف كفار مكة بما بعد هذا إلى قوله: { فنَقَّبوا في البلاد } قرأ الجمهور «فنَقَّبوا» بفتح النون والقاف مع تشديدها.

السابقالتالي
2 3