الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ }

قوله تعالى: { هل أُنبئكم بشرٍّ من ذلك } قال المفسرون: سبب نزولها قول اليهود للمؤمنين: والله ما علمنا أهل دينٍ أقلّ حظّاً منكم في الدنيا والآخرة، ولا ديناً شرّاً من دينكم. وفي قوله: { بِشرٍّ مِنْ ذلك } قولان.

أحدهما: بشرٍّ من المؤمنين، قاله ابن عباس.

والثاني: بشرٍّ مما نقمتم مِن إِيماننا، قاله الزجاج. فأما «المثوبة» فهي الثواب. قال الزجاج: وموضع «مَنْ» في قوله: «مَنْ لعنه الله» إِن شئت كان رفعاً، وإِن شئت كان خفضاً، فمن خفض جعله بدلاً مِن «شرٍّ» فيكون المعنى: أُنبئكم بمن لعنه الله؟ ومن رفع فباضمار «هو» كأنَّ قائلاً قال: مَن ذلك؟ فقيل: هو من لعنه الله. قال أبو صالح عن ابن عباس: من لعنه الله بالجزية، وغضب عليه بعبادة العجل، فهم شر مثوبة عند الله. وروي عن ابن عباس أن المسخَين من أصحاب السبت: مسخ شبابهم قردة، ومشايخهم خنازير. وقال غيره: القردة: أصحاب السبت، والخنازير: كفار مائدة عيسى. وكان ابن قتيبة يقول: أنا أظنُّ أن هذه القردة، والخنازير هي المسوخ بأعيانها توالدت. قال: واستدللت بقوله تعالى: { وجعل منهم القردة والخنازير } فدخول الألف واللام يدل على المعرفة، وعلى أنها القردة التي تعاين، ولو كان أراد شيئاً انقرض ومضى، لقال: وجعل منهم قردة وخنازير، إِلا أن يصحّ حديث أم حبيبة في «المسوخ» فيكون كما قال عليه السلام. قلت أنا: وحديث أم حبيبة في «الصحيح» انفرد بإخراجه مسلم، وهو أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، القردة، والخنازير هي ممّا مُسِخ؟ فقال النبي عليه السلام: " [إن الله] لم يمسخ قوماً أو يهلك قوماً، فيجعل لهم نسلاً ولا عاقبة، وإِن القردة والخنازير قد كانت قبل ذلك " وقد ذكرنا في سورة (البقرة) عن ابن عباس زيادة بيان ذلك، فلا يُلتفت إِلى ظن ابن قتيبة.

قوله تعالى: { وعبد الطاغوت } فيها عشرون قراءة. قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، ونافع، والكسائي: «وعبد» بفتح العين والباء والدال، ونصب تاء «الطاغوت». وفيها وجهان.

أحدهما: أن المعنى: وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت.

والثاني: أن المعنى: من لعنه الله وعبد الطاغوت. وقرأ حمزة: «وعَبُدَ الطاغوتِ» بفتح العين والدال، وضم الباء، وخفض تاء الطاغوت. قال ثعلب: ليس لها وجه إِلا أن يجمع فَعْل على فَعُل. وقال الزجاج: وجهها أن الاسم بني على «فَعُل» كما تقول: عَلُم زيد، ورجل حَذُر، أي: مبالغ في الحذر. فالمعنى: جعل منهم خَدَمة الطاغوت ومن بلغ في طاعة الطاغوت الغاية. وقرأ ابن مسعود، وأُبيّ بن كعب، «وعَبَدُوا»، بفتح العين والباء، ورفع الدال على الجمع «الطاغوتَ» بالنصب.

السابقالتالي
2