الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ }

قوله تعالى: { اليوم أُحل لكم الطيبات } قال القاضي أبو يعلى: يجوز أن يريد باليوم اليوم الذي أنزلت فيه الآية، ويجوز أن يريد اليوم الذي تقدم ذكره في قوله: { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } ، وفي قوله: { اليوم أكملت لكم دينكم } ، وقيل: ليس بيوم معيّن. وقد سبق الكلام في «الطيبات» وإنما كرّر إِحلالها تأكيداً. فأما أهل الكتاب، فهم اليهود والنصارى. وطعامُهم: ذبائحهم، هذا قول ابن عباس، والجماعة. وإِنما أريد بها الذبائح خاصّة، لأن سائر طعامهم لا يختلف بمن توَّلاه من مجوسي وكتابي، وإِنما الذكاة تختلف، فلما خصّ أهل الكتاب بذلك، دل على أن المراد الذبائح، فأما ذبائح المجوس، فأجمعوا على تحريمها. واختلفوا في ذبائح من دان باليهودية والنصرانية من عبدة الأوثان، فروي عن ابن عباس أنه سُئل عن ذبائح نصارى العرب، فقال: لا بأس بها، وتلا قوله:ومن يتولهم منكم فانه منهم } [المائدة: 51] وهذا قول الحسن، وعطاء بن أبي رباح، والشعبي، وعكرمة، وقتادة، والزهري، والحكم، وحماد. وقد روي عن علي، وابن مسعود في آخرين أن ذبائحهم لا تحل. ونقل الخرقي عن أحمد في نصارى بني تغلب روايتين.

إِحداهما: تباح ذبائحهم، وهو قول أبي حنيفة، ومالك.

والثانية: لا تباح. وقال الشافعي: من دخل في دين أهل الكتاب بعد نزول القرآن، لم يبح أكل ذبيحته.

قوله تعالى: { وطعامكم حِلٌ لهم } أي: وذبائحكم لهم حلال، فاذا اشتروا منا شيئاً كان الثمن لنا حلالاً، واللحم لهم حلالاً. قال الزجاج: والمعنى: أُحل لكم أن تطعموهم.

فصل

وقد زعم قوم أن هذه الآية اقتضت إِباحة ذبائح أهل الكتاب مطلقاً وإِن ذكروا غير اسم الله عليها، فكان هذا ناسخاً لقوله تعالى:ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } [الأنعام: 121] والصحيح أنها أطلقت إِباحة ذبائحهم، لأن الأصل أنهم يذكرون الله، فيُحمل أمرهم على هذا. فإن تيقنّا أنهم ذكروا غيره، فلا نأكل، ولا وجه للنسخ، وإِلى هذا الذي قلته ذهب علي، وابن عمر، وعبادة، وأبو الدرداء، والحسن في جماعة.

قوله تعالى: { والمحصنات من المؤمنات } فيهن قولان.

أحدهما: العفائف، قاله ابن عباس. والثاني: الحرائِر، قاله مجاهد.

وفي قوله: { والمحصنات من الذين أُوتوا الكتاب } قولان.

أحدهما: الحرائِر أيضاً، قاله ابن عباس.

والثاني: العفائِف، قاله الحسن، والشعبي، والنخعي، والضحاك، والسدي، فعلى هذا القول يجوز تزويج الحرّة منهن والأمة.

فصل

وهذه الآية أباحت نكاح الكتابية. وقد روي عن عثمان أنه تزوج نائِلة بنت الفرافصة على نسائه وهي نصرانية. وعن طلحة بن عبيد الله: أنه تزوج يهودية. وقد روي عن عمر، وابن عمر كراهة ذلك. واختلفوا في نكاح الكتابية الحربية، فقال ابن عباس: لا تحل، والجمهور على خلافه، وإِنما كرهوا ذلك، لقوله تعالى:

السابقالتالي
2