الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ }

قوله تعالى: { إِنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونورٌ } قال المفسرون: سبب نزول هذه الآية: استفتاء اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الزانيين، وقد سبق. و«الهدى»: البيان. فالتوراة مبينة صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ومبينة ما تحاكموا فيه إِليه. و«النور»: الضياء الكاشف للشبهات، والموضح للمشكلات.

وفي النبيين الذين أسلموا ثلاثة أقوال.

أحدها: أنهم الأنبياء من لَدُنْ موسى إِلى عيسى، قاله الأكثرون.

فعلى هذا القول في معنى «أسلموا» أربعة أقوال.

أحدها: سلموا لحكم الله، ورضوا بقضائه. والثاني: انقادوا لحكم الله، فلم يكتموه كما كتم هؤلاء. والثالث: أسلموا أنفسهم إِلى الله عز وجل. والرابع: أسلموا لما في التوراة ودانوا بها، لأنه قد كان فيهم من لم يعمل بكل ما فيها كعيسى عليه السلام. قال ابن الأنباري: وفي «المسلم» قولان.

أحدهما: أنه سُمّي بذلك لاستسلامه وانقياده لربه. والثاني: لإِخلاصه لربه، من قوله:ورجلاً سالماً لرجل } [الزمر: 29] أي: خالصاً له.

والثاني: أن المراد بالنبيين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قاله الحسن، والسدي. وذلك حين حكم على اليهود بالرجم، وذكره بلفظ الجمع كقوله:أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله } [النساء: 54].

وفي الذي حكم به منها قولان. أحدهما: الرجم والقود. والثاني: الحكم بسائِرها ما لم يرد في شرعه ما يخالف. والثالث: النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن قبله من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، قاله عكرمة.

قوله تعالى: { للذين هادوا } قال ابن عباس: تابوا من الكفر. قال الحسن: هم اليهود. قال الزجاج: ويجوز أن يكون في الآية تقديم وتأخير على معنى: إِنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونورٌ للذين هادوا يحكم بها النبيون الذين أسلموا. فأما «الربانيون» فقد سبق ذكرهم في (آل عمران). وأما «الأحبار» فهم العلماء واحدهم حَبر وحِبر، والجمع أحبار وحبور. وقال الفراء: أكثر ما سمعت العرب تقول في واحد الأحبار: حِبر بكسر الحاء. وفي اشتقاق هذا الاسم ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه من الحَبار وهو الأثر الحسن، قاله الخليل.

والثاني: أنه من الحِبر الذي يكتب به، قاله الكسائي.

والثالث: أنه من الحبر الذي هو الجمال والبهاء. وفي الحديث " يخرج رجل من النار قد ذهَبَ حِبْرُه وسِبْرُه " أي جماله وبهاؤه. فالعالِمُ بَهِيٌ بجمال العلم. وهذا قول قطرب.

وهل بين الرّبانيين والأحبار فَرْق أم لا؟ فيه قولان.

أحدهما: لا فرق، والكل العلماء، هذا قول الأكثرين، منهم ابن قتيبة، والزجاج. وقد روي عن مجاهد أنه قال: الرّبانيون: الفُقهاء العُلماء، وهم فوق الأحبار. وقال السدي: الربانيون العلماء، والأحبار القُرّاء. وقال ابن زيد: الربانيون: الولاة، والأحبار: العُلماء، وقيل: الربانيون: علماء النصارى، والأحبار: علماء اليهود.

السابقالتالي
2