الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

قوله تعالى: { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال. أحدها: " أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بيهودي وقد حمموه وجلدوه، فقال: أهكذا تجدون حدّ الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم فدعا رجلاً من علمائهم، فقال: أنشدُك الله الذي أنزل التوراة على موسى، هكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولكنّه كثر في أشرافنا، فكنا نترك الشريف، ونُقيمه على الوضيع، فقلنا: تعالوا نُجْمِعْ على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إِني أول من أحيا أمرَك إِذا أماتوه» فأمَرَ به فَرُجم، ونزلت هذه الآية " ، رواه البراء بن عازب.

والثاني: أنها نزلت في ابن صوريا آمن ثم كفر، وهذا المعنى مروي عن أبي هريرة.

والثالث: أنها نزلت في يهودي قتل يهودياً، ثم قال: سلوا محمداً فإن كان بُعِثَ بالدّية، اختصمنا إِليه، وإِن كان بعث بالقتل، لم نأته، قال الشعبي.

والرابع: أنها نزلت في المنافقين، قاله ابن عباس، ومجاهد.

والخامس: أن رجلاً من الأنصار أشارت إِليه قريظة يوم حِصارهم على ماذا ننزل؟ فأشار إِليهم: أنه الذّبح، قاله السدي. قال مقاتل: هو أبو لبابة بن عبد المنذر، قالت له قريظة: اننزل على حُكم سعدٍ، فأشار بيده: أنه الذّبح، وكان حليفاً لهم. قال أبو لبابة فعلمت أني قد خُنتُ الله ورسوله، فنزلت هذه الآية. ومعنى الكلام: لا يحزنك مسارعة الذين يُسارِعُون في الكفر من الذين قالوا آمنّا بأفواههم وهم المنافقون، ومن الذين هادوا وهم اليهود. { سماعون للكذب } قال سيبويه: هو مرفوعٌ بالابتداء. قال أبو الحسن الأخفش: ويجوز أن يكونَ رفعُه على معنى: ومن الذين هادوا سماعون للكذب. وفي معناه أربعة أقوال.

أحدها: سماعون منك ليكذبوا عليك.

والثاني: سماعون للكذب، أي: قائلون له.

والثالث: سماعون للكذب الذي بدَّلوه في توراتهم.

والرابع: سماعون للكذب، أي: قابلون له، ومنه: «سمع الله لمن حمده» أي: قبل.

وفي قوله: { سماعون لقوم آخرين لم يأتوك } قولان.

أحدهما: يسمعون لأولئك، فهم عيونٌ لهم.

والثاني: سمّاعون من قوم آخرين، وهم رؤساؤهم المبدِّلون التوراة.

وفي السمّاعين للكذب، وللقوم الآخرين قولان.

أحدهما: أن «السّماعين للكذب» يهود المدينة، والقوم الآخرون [الذين لم يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم] يهود فدَك. والثاني: بالعكس من هذا.

وفي تحريفهم الكلم خمسة أقوال.

أحدها: أنه تغيير حدود الله في التوراة، وذلك أنهم غيّروا الرّجم، قاله ابن عباس، والجمهور.

والثاني: تغيير ما يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب عليه، قاله الحسن.

والثالث: إِخفاء صفة النبي صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2