قوله تعالى: { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال. أحدها: " أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بيهودي وقد حمموه وجلدوه، فقال: أهكذا تجدون حدّ الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم فدعا رجلاً من علمائهم، فقال: أنشدُك الله الذي أنزل التوراة على موسى، هكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولكنّه كثر في أشرافنا، فكنا نترك الشريف، ونُقيمه على الوضيع، فقلنا: تعالوا نُجْمِعْ على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إِني أول من أحيا أمرَك إِذا أماتوه» فأمَرَ به فَرُجم، ونزلت هذه الآية " ، رواه البراء بن عازب. والثاني: أنها نزلت في ابن صوريا آمن ثم كفر، وهذا المعنى مروي عن أبي هريرة. والثالث: أنها نزلت في يهودي قتل يهودياً، ثم قال: سلوا محمداً فإن كان بُعِثَ بالدّية، اختصمنا إِليه، وإِن كان بعث بالقتل، لم نأته، قال الشعبي. والرابع: أنها نزلت في المنافقين، قاله ابن عباس، ومجاهد. والخامس: أن رجلاً من الأنصار أشارت إِليه قريظة يوم حِصارهم على ماذا ننزل؟ فأشار إِليهم: أنه الذّبح، قاله السدي. قال مقاتل: هو أبو لبابة بن عبد المنذر، قالت له قريظة: اننزل على حُكم سعدٍ، فأشار بيده: أنه الذّبح، وكان حليفاً لهم. قال أبو لبابة فعلمت أني قد خُنتُ الله ورسوله، فنزلت هذه الآية. ومعنى الكلام: لا يحزنك مسارعة الذين يُسارِعُون في الكفر من الذين قالوا آمنّا بأفواههم وهم المنافقون، ومن الذين هادوا وهم اليهود. { سماعون للكذب } قال سيبويه: هو مرفوعٌ بالابتداء. قال أبو الحسن الأخفش: ويجوز أن يكونَ رفعُه على معنى: ومن الذين هادوا سماعون للكذب. وفي معناه أربعة أقوال. أحدها: سماعون منك ليكذبوا عليك. والثاني: سماعون للكذب، أي: قائلون له. والثالث: سماعون للكذب الذي بدَّلوه في توراتهم. والرابع: سماعون للكذب، أي: قابلون له، ومنه: «سمع الله لمن حمده» أي: قبل. وفي قوله: { سماعون لقوم آخرين لم يأتوك } قولان. أحدهما: يسمعون لأولئك، فهم عيونٌ لهم. والثاني: سمّاعون من قوم آخرين، وهم رؤساؤهم المبدِّلون التوراة. وفي السمّاعين للكذب، وللقوم الآخرين قولان. أحدهما: أن «السّماعين للكذب» يهود المدينة، والقوم الآخرون [الذين لم يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم] يهود فدَك. والثاني: بالعكس من هذا. وفي تحريفهم الكلم خمسة أقوال. أحدها: أنه تغيير حدود الله في التوراة، وذلك أنهم غيّروا الرّجم، قاله ابن عباس، والجمهور. والثاني: تغيير ما يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب عليه، قاله الحسن. والثالث: إِخفاء صفة النبي صلى الله عليه وسلم.