الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

قوله تعالى: { يسألونك ماذا أحل لهم } في سبب نزولها قولان.

أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل الكلاب، قال الناس: يا رسول الله ماذا أحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فنزلت هذه الآية، أخرجه أبو عبد الله الحاكم في «صحيحه» من حديث أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان السبب في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها أن جبريل عليه السلام استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن له، فلم يدخل وقال: " إِنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة " فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو.

والثاني: أن عدي بن حاتم، وزيد الخيل الذي سمّاه رسول الله: زيد الخير، قالا: يا رسول الله إِنا قومٌ نصيد بالكلاب والبُزاة، فمنه ما ندرك ذكاته، ومنه مالا ندرك ذكاته، وقد حرّم الله الميتة، فماذا يحلُّ لنا منها، فنزلت هذه الآية، قاله سعيد بن جبير. قال الزجاج: ومعنى الكلام: يسألونك أي شيء أُحل لهم؟ قل: أُحلّ لكم الطيبات، وأُحل لكم صيد ما علّمتم من الجوارح، والتأويل أنهم سألوا عنه ولكن حذف ذكر صيد ما علمتم، لأن في الكلام دليلاً عليه.

وفي الطيبات قولان.

أحدهما: أنها المباح من الذبائح.

والثاني: أنها ما استطابه العربُ مما لم يحرّم. فأما «الجوارح» فهي ما صيد به من سباع البهائم والطير، كالكلب، والفهد، والصقر، والبازي، ونحو ذلك مما يقبل التعليم. قال ابن عباس: كل شيءٍ صاد فهو جارح.

وفي تسميتها بالجوارح قولان.

أحدهما: لكسب أهلها بها. قال ابن قتيبة: أصل الاجتراح: الاكتساب، يقال: امرأة لا جارح لها، أي: لا كاسب.

والثاني: لأنها تجرح ما تصيد في الغالب، ذكره الماوردي. قال أبو سليمان الدمشقي: وعلامة التعليم أنك إِذا دعوته أجاب، وإِذا أسَّدته استأسد، ومضى في طلبه، وإِذا أمسك أمسك عليك لا على نفسه، وعلامة إِمساكه عليك: أن لا يأكل منه شيئاً، هذا في السباع والكلاب، فأما تعليم جوارح الطير فبخلاف السباع، لأن الطائر إِنما يُعلّم الصيد بالأكل، والفهد، والكلب، وما أشبههما يعلمون بترك الأكل، فهذا فرق ما بينهما.

وفي قوله: { مكلبين } ثلاثة أقوال.

أحدها: أنهم أصحاب الكلاب، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وهو قول ابن عمر، وسعيد بن جبير، وعطاء، والضحاك، والسدي، والفراء، والزجاج، وابن قتيبة. قال الزجاج: يقال رجل مكلّب وكلاّبي، أي: صاحب صيد بالكلاب.

والثاني: أن معنى «مكلبين»: مُصرّين على الصيد، وهذا مروي عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد.

والثالث: ان «مكلبين» بمعنى: معلمين. قال أبو سليمان الدمشقي: وإِنما قيل لهم: مكلبين، لأن الغالب من صيدهم إِنما يكون بالكلاب.

السابقالتالي
2