الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { حرِّمت عليكم الميتة } مفسّرٌ في (البقرة)، فأما { المنخنقة } فقال ابن عباس: هي التي تختنق فتموت، وقال الحسن، وقتادة: هي التي تختنق بحبل الصائد وغيره. قلت: والمنخنقة حرام كيف وقع ذلك. قال ابن قتيبة: و«الموقوذة»: التي تُضرب حتى توقَذ، أي: تشرف على الموت، ثم تترك حتى تموت، وتؤكل بغير ذكاة، ومنه يقال: فلان وقيذ، وقد وقذته العبادة.

و«المتردّية»: الواقعة من جبل أو حائط، أو في بئر، يقال: تردى: إِذا سقط.

و«النطيحة»: التي تنطحها شاة أخرى، أو بقرة، «فعيلة» في معنى «مفعولة» { وما أكل السبع } وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وأبو مجلز، وابن أبي ليلى: السَّبع: بسكون الباء. والمراد: ما افترسه فأكل بعضه { إِلا ما ذكيتم } أي: إِلا ما لحقتم من هذا كله، وبه حياة، فذبحتموه.

فأما الاستثناء، ففيه قولان.

أحدهما: أنه يرجع إِلى المذكور من عند قوله: { والمنخنقة }.

والثاني: أنه يرجع إِلى ما أكل السبع خاصة، والعلماء على الأول.

فصل في الذكاة

قال الزجاج: أصل الذكاة في اللغة: تمام الشيء، فمنه الذكاء في السن. وهو تمام السِّن. قال الخليل: الذكاء: أن تأتي على قروحه سنة، وذلك تمام استكمال القوة، ومنه الذكاء في الفهم، وهو أن يكون فهماً تاماً، سريع القبول. وذكّيت النار، أي: أتممت إِشعالها. وقد روي عن عليّ، وابن عباس، والحسن، وقتادة أنهم قالوا: ما أدركت ذكاته بأن توجد له عينٌ تَطْرِف، أو ذنب يتحرك، فأكله حلالٌ. قال القاضي أبو يعلى: ومذهب أصحابنا أنه إِن كان يعيش مع ما به، حل بالذبح، فان كان لا يعيش مع ما به، نظرت، فان لم تكن حياته مستقرّة، وإِنما حركته حركة المذبوح، مثل أن شُقَّ جوفه، وأُبينت حشوته، فانفصلت عنه، لم يحل أكله، وإِن كانت حياته مستقرة يعيش اليوم واليومين، مثل أن يشق جوفه، ولم تقطع الأمعاء، حل أكله. ومن الناس من يقول: إِذا كانت فيه حياة في الجملة أُبيح بالذكاة، والصحيح ما ذكرنا، لأنه إِذا لم تكن فيه حياة مستقرة، فهو في حكم الميت. ألا ترى أن رجلاً لو قطع حُشْوَةَ آدمي، ثم ضرب عنقه آخر، فالأول هو القاتل، لأن الحياة لا تبقى مع الفعل الأول.

وفي ما يجب قطعه في الذكاة روايتان.

إِحداهما: أنه الحلقوم والمريء، والعرقان اللذان بينهما الحلقوم والمريء، فإن نقص من ذلك شيئاً، لم يؤكل، هذا ظاهر كلام أحمد في رواية عبد الله.

والثانية: يجزىء قطع الحلقوم والمريء، وهو ظاهر كلامه في رواية حنبل، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: يجزىء قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين. وقال مالك: يجزئ قطع الأوداج، وإِن لم يقطع الحلقوم. وقال الزجاج: الحلقوم بعد الفم، وهو موضع النفَس، وفيه شعب تتشعب منه في الرئة.

السابقالتالي
2 3 4