الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قوله تعالى: { لا تحلوا شعائر الله } في سبب نزولها قولان.

أحدهما: " أن شريح بن ضبيعة أتى المدينة، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إِلام تدعو؟ فقال: «إِلى شهادة أن لا إِله إِلا الله وأني رسول الله»، فقال: إِن لي أُمراء خلفي أرجع إِليهم أشاورهم، ثم خرج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبي غادر، وما الرجل بمسلم» فمر شريح بسرح لأهل المدينة، فاستاقه، فلما كان عام الحُديبية، خرج شريح إِلى مكة معتمراً، ومعه تجارة، فأراد أهل السّرح أن يغيروا عليه كما أغار عليهم، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية " ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. وقال السدي: اسمه الحُطَمُ ابن هند البكري. قال: ولما ساق السَّرح جعل يرتجز:
قدْ لَفَّها الليل بسوّاقٍ حُطَم   ليس براعي إِبل ولا غنم
ولا بجزّارٍ على ظَهْرِ وضم   باتوا نيَاما وابنُ هندٍ لم ينم
بات يُقاسِيهَا غلامٌ كالزَّلَمْ   خَدلَّجُ الساقين ممسوحُ القدم
والثاني: أن ناساً من المشركين جاؤوا يؤمون البيت يوم الفتح مهلّين بعمرة، فقال المسلمون: لا ندع هؤلاء بل نغير عليهم، فنزل قوله { ولا آمّين البيت الحرام }. قال ابن قتيبة: وشعائِر الله: ما جعله الله علماً لطاعته.

وفي المراد بها هاهنا سبعة أقوال.

أحدها: أنها مناسك الحج، رواه الضحاك عن ابن عباس. وقال الفراء: كانت عامّة العرب لا يرون الصفا والمروة من الشعائر، ولا يطوفون بينهما، فقال الله تعالى: لا تستحلوا ترك ذلك.

والثاني: أنها ما حرم الله تعالى في حال الإحرام، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثالث: دين الله كله، قاله الحسن.

والرابع: حدود الله، قاله عكرمة، وعطاء.

والخامس: حَرمُ الله، قاله السدي.

والسادس: الهدايا المشعرة لبيت الله الحرام، قاله أبو عبيدة، والزجاج.

والسابع: أنها أعلام الحرم، نهاهم أن يتجاوزوها غير محرمين إِذا أرادوا دخول مكة، ذكره الماوردي، والقاضي أبو يعلى.

قوله تعالى: { ولا الشهر الحرام } قال ابن عباس: لا تُحِلُّوا القتال فيه.

وفي المراد بالشهر الحرام ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه ذو القَعدة، قاله عكرمة، وقتادة.

والثاني: أن المراد به الأشهر الحرم. قال مقاتل: كان جنادة بن عوف يقوم في سوق عكاظ كلَّ سنة فيقول: ألا إِني قد أحللت كذا، وحرّمت كذا.

والثالث: أنه رجب، ذكره ابن جرير الطبري. والهدي: كل ما أهدي إِلى بيت الله تعالى من شيءٍ. وفي القلائد قولان.

أحدهما: أنها المقلَّدات مِن الهدي، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثاني: أنها ما كان المشركون يقلدون به إِبلهم وأنفسهم في الجاهلية، ليأمنوا به عدوّهم، لأن الحرب كانت قائمة بين العرب إِلا في الأشهر الحُرُم، فمن لقوة مقلِّداً نفسه، أو بعيره، أو مشعراً بُدُنَهُ أو سائِقاً هدياً لم يُتعرض له.

السابقالتالي
2 3