الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { فإن عثر على أنهما استحقا إِثماً } قال المفسرون: لما نزلت الآية الأولى، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عديًّا وتميماً، فاستحلفهما عند المنبر: أنهما لم يخونا شيئاً مما دفع إِليهما، فحلفا، وخلَّى سبيلهما، ثم ظهر الإِناء الذي كتماه، فرفعهما أولياء الميت إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت { فإن عثر على أنهما استحقا إِثماً } ومعنى «عثر»: اطّلع أي: إِن عثر أهل الميت، أو مَن يلي أمره، على أن الشاهدين اللذين هما آخران من غيرنا { استحقا إِثماً } لميلهما عن الاستقامة في شهادتهما { فآخران يقومان مقامهما } أي: مقام هذين الخائنين { من الذين استحق عليهم الأولَيان }.

قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي: «استُحِق» بضم التاء، «الأولَيان» على التثنية. وفي قوله { من الذين استحق عليهم } قولان.

أحدهما: أنهما الذمّيان.

والثاني: الوليّان فعلى الأول في معنى { استحق عليهم } أربعة أقوال.

أحدها: استحق عليهم الإِيصاء، قال ابن الأنباري: المعنى: من القوم الذين استحق فيهم الإِيصاء، استحقه الأوليان بالميت، وكذلك قال الزجاج: المعنى: من الذين استحقت الوصية أو الإِيصاء عليهم.

والثاني: أنه الظلم، والمعنى: من الذين استحق عليهم ظلم الأولَيان، فحذف الظلم، وأقام الأوليين مقامه، ذكره ابن القاسم أيضاً.

والثالث: أنه الخروج مما قاما به من الشهادة، لظهور خيانتهما.

والرابع: أنه الإثم، والمعنى: استحق منهم الإثم، ونابت «على» عن «مِن» كقوله:على الناس يستوفون } [المطففين: 2] أي: منهم. وقال الفراء: «على» بمعنى «في» كقوله:على مُلك سليمان } [البقرة: 102] أي: في ملكه، ذكر القولين أبو علي الفارسي. وعلى هذه الأقوال مفعول «استُحق» محذوف مُقدّر. وعلى القول الثاني في معنى { استحق عليهم } قولان.

أحدهما: استحق منهم الأوليان، وهو اختيار ابن قتيبة.

والثاني: جني عليهم الإثم، ذكره الزجاج.

فأما «الأوليان» فقال الأخفش: الأوليان: اثنان، واحدهما: الأولى، والجمع: الأولون. ثم للمفسرين فيهما قولان.

أحدهما: أنهما أولياء الميت، قاله الجمهور. قال الزجاج: «الأوليان» في قول أكثر البصريين يرتفعان على البَدَلِ مما في «يقومان» والمعنى: فليقم الأوليان بالميت مقام هذين الخائنين. وقال أبو علي: لا يخلو الأوليان أن يكون ارتفاعهما على الابتداء، أو يكون خبر مبتدأ محذوف، كأنه قال: فآخران يقومان مقامهما، هما الأوليان، أو يكون بدلاً من الضمير الذي في «يقومان». والتقدير: فيقوم الأوليان.

والقول الثاني: أن الأوليان: هما الذّميان، والمعنى: أنهما الأوليان بالخيانة، فعلى هذا يكون المعنى: يقومان، إِلا من الذين استحق عليهم. قال الشاعر:
فليت لنا مِنْ ماءِ زَمْزَمَ شَرْبَةً   مُبَرَّدَةً باتَتْ على طهيان
أي: بدلاً من ماء زمزم. وروى قُرَّة عن ابن كثيرٍ، وحفصٍ وعاصمٍ: «استحق» بفتح التاء والحاء «الأوليان» على التثنية، والمعنى: استحق عليهم الأوليان بالميت وصيته التي أوصى بها، فحذف المفعول.

السابقالتالي
2