الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ }

قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم } روى سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال: كان تميم الدّاري، وعدي بن بداء يختلفان إِلى مكة، فصحبهما رجلٌ من قريش من بني سهم، فمات بأرض ليس فيها أحد من المسلمين، فأوصى إِليهما بتركته، فلما قدما، دفعاها إِلى أهله، وكتما جاماً كان معه من فضة، وكان مخوَّصاً بالذهب، فقالا: لم نره، فأُتي بهما إِلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستحلفهما بالله: ما كتما، وخلى سبيلهما. ثم إِن الجام وُجدَ عند قومٍ من أهل مكة، فقالوا: ابتعناه من تميم الدّاري، وعدي بن بداء، فقام أولياء السهمي، فأخذوا الجام، وحلف رجلان منهم بالله: إِن هذا الجام جام صاحبنا، وشهادتنا أحق مِن شهادتهما، وما اعتدينا، فنزلت هذه الآية، والتى بعدها. قال مقاتل: واسم الميِّت: بُزيلُ بن أبي مارية مولى العاص بن وائل السهمي، وكان تميم، وعدي نصرانيين، فأسلم تميم، ومات عديٌ نصرانياً. فأما التفسير، فقال الفراء: معنى الآية: ليشهدكم اثنان إِذا حضر أحدكم الموت. قال الزجاج: المعنى: شهادة هذه الحال شهادة اثنين، فحذف «شهادة»، ويقوم «اثنان» مقامهما. وقال ابن الأنباري: معنى الآية: ليشهدكم في سفركم إِذا حضركم الموت، وأردتم الوصيّة اثنان. وفي هذه الشهادة ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها الشهادة على الوصيّة التي ثبتت عند الحكام، وهو قول ابن مسعود، وأبي موسى، وشريح، وابن أبي ليلى، والأوزاعي، والثوري، والجمهور.

والثاني: أنها أيمان الوصي بالله تعالى إِذا ارتاب الورثة بهما، وهو قول مجاهد.

والثالث: أنها شهادة الوصيّة، أي حضورها، كقوله:أم كنتم شهداء إِذ حضر يعقوب الموت } [البقرة: 133] جعل الله الوصي هاهنا اثنين تأكيداً، واستدل أرباب هذا القول بقوله: { فيقسمان بالله } قالوا: والشاهد لا يلزمه يمينٌ. فأما «حضور الموت» فهو حضور أسبابه ومقدماته. وقوله: { حين الوصية } ، أي: وقت الوصية. وفي قوله: «منكم» قولان.

أحدهما: من أهل دينكم وملتكم، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد ابن المسيب، وسعيد بن جبير، وشريح، وابن سيرين، والشعبي، وهو قول أصحابنا.

والثاني: من عشيرتكم وقبيلتكم، وهم مسلمون أيضاً، قاله الحسن، وعكرمة، والزهري، والسدي.

قوله تعالى: { أو آخران من غيركم } تقديره: أو شهادة آخرين من غيركم. وفي قوله: «من غيركم» قولان.

أحدهما: من غير ملتكم ودينكم، قاله أرباب القول الأول.

والثاني: من غير عشيرتكم وقبيلتكم، وهم مسلمون أيضاً، قاله أرباب القول الثاني، وفي «أوْ» قولان.

أحدهما: أنها ليست للتخيير، وإِنما المعنى: أو آخران من غيركم إِن لم تجدوا منكم، وبه قال ابن عباس، وابن جبير، والثاني: أنها للتخيير، ذكره الماوردي.

فصل

فالقائل بأن المراد بالآية شهادة مسلمين من القبيلة، أو من غير القبيلة لا يشك في إِحْكَامِ هذه الآية.

السابقالتالي
2