الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { إِنَّ الذين ينادونك مِنْ وراءِ الحُجُرات } في سبب نزولها ثلاثة أقوال.

أحدها: " أن بني تميم جاؤوا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادَوْا على الباب: يا محمد اخرُج إِلينا، فإنَّ مَدْحَنا زَيْن وإِن ذَمَّنا شَيْن، فخرج وهو يقول: " إنما ذلكم الله " ، فقالوا: نحن ناس من بني تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك، فقال: " ما بالشعر بُعِثْتُ ولا بالفخَار أُمِرْتُ، ولكن هاتوا " فقال الزبرقان بن بدر لشابً منهم قمُ ْفاذكُر فَضْلك وفَضْل قومك، فقام فذكر ذلك، فأمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثابتَ بن قيس، فأجابه، وقام شاعرُهم، فأجابه حسان، فقال الأقرع بن حابس: والله ما أدري ما هذا الأمر؟! تكلَّم خطيبُنا فكان خطيبُهم أحسنَ قولاَ، وتكلم شاعرُنا فكان شاعرُهم أشعَر، ثم دنا فأسلم، فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساهم، وارتفعت الأصوات وكثر اللَّغَط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية " ، هذا قول جابر بن عبد الله في آخرين. وقال ابن اسحاق: نزلت في جُفاة بني تميم، وكان فيهم الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن، والزبرقان بن بدر، [وقيس بن عاصم المنقري]، وخالد بن مالك، وسويد بن هشام، وهما نهشليَّان، والقعقاع بن معبد، وعطاء بن حابس، ووكيع بن وكيع.

والثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سريَّة إِلى بني العنبر، وأمَّر عليهم عيينة بن حصن الفزاري، فلما عَلِموا بذلك هربوا وتركوا عيالهم، فسباهم عيينة، فجاء رجالُهم يَفْدون الذَّراري، فقَدِموا وقت الظهيرة ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائل، فجعلوا: ينادون يا محمد اخْرُج إِلينا، حتى أيقظوه، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.

والثالث: أن ناساً من العرب قال بعضهم لبعض: انطلِقوا بنا إِلى هذا الرجُل، فإن يكن نبيّاً نكن أسعد الناس به، وإِن يكن ملِكاً نعش في جناحه، فجاؤوا، فجعلوا ينادون: يا محمد، يا محمد، فنزلت هذه الآية، [قاله زيد بن أرقم].

فأمّا " الحجرات " فقرأ أُبيُّ بن كعب، وعائشة، وأبو عبد الرحمن السلمي، ومجاهد وأبو العالية، وابن يعمر، [وأبو جعفر وشيبة]: بفتح الجيم؛ وأسكنها أبو رزين، وسعيد بن المسيب، وابن أبي عبلة؛ وضمها الباقون. قال الفراء: وجه الكلام أن تُضمَّ الحاء والجيم، وبعض العرب يقول: الحُجُرات والرُّكبات، وربما خفَّفوا فقالوا: " الحُجْرات " ، والتخفيف في تميم، والتثقيل في أهل الحجاز. وقال ابن قتيبة. واحد الحُجُرات حُجرة، مثل ظُلْمة وظُلُمات. قال المفسرون: وإنما نادَوا من وراء الحُجرات، لأنهم لم يعلموا في أيّ الحُجَر رسولُ الله.

قوله تعالى: { ولو أنَّهم صَبَروا حتى تخْرُجَ إِليهم لكان خيراً لهم } قال الزجاج: أي: لكان الصَّبر خيراً لهم. وفي وجه كونه خيراً لهم قولان.

أحدهما: لكان خيراً لهم فيما قَدِموا له من فداء ذراريهم، فلو صَبَروا خلَّى سبيلهم بغير فداءٍ، قاله مقاتل.

والثاني: لكان أحسنَ لآدابهم في طاعة الله ورسوله، ذكره الماوردي.

قوله تعالى: { واللهُ غفورٌ رحيمٌ } أي: لمن تاب منهم.