الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } * { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { قالت الأعراب آمَنّا } قال مجاهد: نزلت في أعراب بني أسد ابن خزيمة. ووصف غيره حالهم، فقال: قَدِموا المدينةَ في سنة مُجْدِبة، فأظهروا الإِسلام ولم يكونوا مؤمنين، وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات، وأغلَوا أسعارهم، وكانوا يُمنُّون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: أتيناك بالأثقال والعيال، ولَمْ نُقاتِلْك، فنزلت فيهم هذه الآية. وقال السدي: نزلت في أعراب مزينة وجهينة وأسلم وأشجع وغفار [وهم الذين ذكرهم الله تعالى في سورة (الفتح) وكانوا يقولون: آمنا بالله ليأمنوا على أنفُسهم]، فلما استُنفروا إِلى الحديبية تخلَّفوا، فنزلت فيهم هذه الآية. وقال مقاتل: كانت منازلهم بين مكة والمدينة، فكانوا إِذا مرَّت بهم سريَّة من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: آمنا، ليأمنوا على دمائهم وأموالهم، فلمّا سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى الحديبية استنفرهم فلم يَنْفِروا معه.

قوله تعالى: { قُلْ لَمْ تؤْمِنوا } أي: لَمْ تصدّقوا { ولكن قولوا أسلمنا } قال ابن قتيبة: أي اسْتَسلمنا من خوف السيف، وانْقَدْنا. قال الزجاج: الإِسلام: إِظهار الخُضوع والقَبول لِما أتى به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يُحْقَن الدَّم. فإن كان معه اعتقاد وتصديق بالقلب، فذلك الإِيمان، فأخْرَجَ اللهُ هؤلاء من الإِيمان بقوله: { ولمّا يَدْخُل الإِيمانُ في قُلوبكم } أي: لَمْ تُصَدِّقوا، إِنما أسلمتم تعوُّذاً من القتل. وقال مقاتل: " ولمّا " بمعنى " ولم " يدخُل التصديقُ في قلوبكم.

قوله تعالى: { وإِن تُطيعوا اللهَ ورسولَه } قال ابن عباس: إِن تُخْلِصوا الإِيمان { لا يألِتْكُم } قرأ أبو عمرو: { يَألِتْكُم } بألف وهمز؛ وروي عنه بألف ساكنة مع ترك الهمزة: وقرأ الباقون: " يَلِتْكُم " بغير ألف ولا همز. فقراءة أبي عمرو من ألَتَ يألِتُ. وقراءة الباقين من لاتَ يَلِيتُ، قال الفراء: وهما لغتان، قال الزجاج: معناهما واحد. والمعنى: لا يَنْقُصكم وقال أبو عبيدة: فيها ثلاث لغات: ألَتَ يألِتُ، تقديرها: أفَكَ يأفِكُ، وألاتَ يُلِيتُ تقديرها: أقال يُقِيلُ، ولاتَ يَلِيتُ، قال رؤبة:
وليلةٍ ذاتِ نَدىً سَرَيْتُ   ولم يَلِتْنِي عن سُراها لَيْتُ
قوله تعالى: { مِنْ أعمالكم } أي: من ثوابها. ثم نعت الصادقين في إِيمانهم بالآية التي تلي هذه. ومعنى: { يَرتابوا } يَشُكُّوا. وإِنما ذكر الجهاد، لأن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فرضاً في ذلك الوقت، { أولئك هم الصادقون } [في إِيمانهم، فلمّا نزلت هاتان الآيتان أتوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يحلفون أنهم مؤمنون صادقون] فنزلت [هذه الآية].

قوله تعالى: { قُلْ أتُعَلِّمون اللهَ بدينكم } و " علَّم " ، بمعنى " أعلم " ، ولذلك دخلت الباء في قوله: { بدينكم } والمعنى: أتُخبرون [اللهَ] بالدِّين الذي أنتم عليه؟!، أي: هو عالِمٌ بذلك لا يحتاج إِلى أخباركم؛ وفيهم نزل قوله تعالى: { يَمُنُّون عليك أن أَسْلموا } قالوا: أَسْلَمْنا ولم نُقاتِلْكَ، [والله أعلم].