الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

قوله تعالى: { لا يَسْخَر قومٌ من قوم } هذه الآية نزلت على ثلاثة أسباب؛ فأما أولها: إلى قوله تعالى: { خيراً منهم } فنزلت على سبب وفيه قولان.

أحدهما: أن ثابت بن قيس بن شمَّاس جاء يوماً يريد الدُّنُوَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان به صمم، فقال لرجل بين يديه: افسح، فقال له الرجل: قد أصبتَ مجلساً، فجلس مُغْضَباً ثم قال للرجل: من أنت؟ قال أنا فلان. فقال ثابت: أنت ابن فلانة!! فذكر أمّاً له كان يعيَّر بها في الجاهلية، فأغضى الرجل ونَكَسَ رأسَه ونزل قوله تعالى: { لا يَسْخَر قومٌ من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم } ، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أن وفد تميم استهزؤوا بفقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لِما رأَوا من رثاثة حالهم، فنزلت هذه الآية، قاله الضحاك ومقاتل.

وأما قوله تعالى { ولا نساءٌ من نساء } فنزلت على سبب، وفيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عيَّرن أًمَّ سَلَمة بالقِصَر، فنزلت هذه [الآية]، قاله أنس بن مالك. وزعم مقاتل أن عائشة استهزأت من قِصَر أًمِّ سَلَمة.

والثاني: أن امرأتين من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم سَخِرتا من أم سلمة زوجِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت أم سلمة قد خرجت ذات يوم وقد ربطت أحد طرفي جلبابها على حَقْوها، وأرخت الطرف الآخر خلفها، ولا تعلم، فقالت إِحداهما للأخرى: انظُري ما خَلْفَ أم سلمة كأنه لسان كلب، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثالث: " أن صفيَّة بنت حُيَيّ بن أخطب أتت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إِن النساء يعيِّرنني ويقُلن: يا يهودية بنت يهوديَّين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلاّ قُلْتِ: إِن أبي هارون، وإِن عمِّي موسى، وإن زوجي محمد " فنزلت هذه الآية، رواه عكرمة عن ابن عباس.

وأما قوله تعالى { ولا تَلْمِزوا أنفُسَكم ولا تَنابزوا بالألقاب } فنزلت على سبب، وفيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدِمَ المدينة ولهم ألقاب يُدْعَون بها، فجعل الرجل يدعو الرجل بلقَبه، فقيل له: يا رسول الله: إِنهم يكرهون هذا، فنزل قوله تعالى: " ولا تَنابزوا بالألقاب " ، قاله أبو جبيرة بن الضحاك.

والثاني: أن أبا ذر كان بينه وبين رجل منازعة، فقال له الرجل: يا ابن اليهودية، فنزلت: " ولا تَنابزوا بالألقاب " ، قاله الحسن.

والثالث: أن كعب بن مالك الأنصاري كان بينه وبين عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي كلام، فقال له: يا أعرابي، فقال له عبد الله: يا يهودي فنزلت فيهما { ولا تَلمزوا أنفُسكم ولا تَنابزوا بالألقاب } قاله مقاتل.

السابقالتالي
2