الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَٰناً مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً } * { وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }

قوله تعالى: { هو الذي أنزل السَّكينة } أي: السُّكون والطمُّأنينة { في قلوب المؤمنين } لئلاّ تنزعج قلوبُهم لِمَا يَرِد عليهم، فسلَّموا لقضاء الله، وكانوا قد اشتد عليهم صَدُّ المشركين لهم عن البيت، حتى قال عمر: علامَ نُعطي الدَّنِيَّة في ديننا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم " أنا عَبْدُ الله ورسوله، لن أُخالِف أمره ولن يُضَيِّعني " ، ثم أَوْقَعَ اللهُ الرِّضى بما جرى في قلوب المسلمين، فسلَّموا وأطاعوا.

{ لِيَزدادوا إيماناً } وذلك أنه كلَّما نزلت فريضة زاد إِيمانُهم.

{ وللهِ جُنودُ السموات والأرضَ } يريد: أن جميع أهل السموات والأرض مُلْكٌ له لو أراد نُصرة نبيِّه بغيركم لَفَعَل، ولكنه اختاركم لذلك، فاشكُروه.

قوله تعالى: { لِيُدْخِلَ المؤمنين... } الآية. سبب نزولها أنه لمّا نزل قوله { إِنّا فَتَحْنا لك } قال أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: هنيئاً لك يا رسول الله بما أعطاك الله، فما لَنا؟ فنزلت هذه الآية، قاله أنس بن مالك. قال مقاتل: فلمّا سمع عبد الله بن أُبيّ بذلك، انطلق في نَفَرٍ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما لَنا عند الله؟ فنزلت { ويُعذِّبَ المنافقين... } الآية.

قال ابن جرير: كُرِّرت اللاّمُ في " لِيُدْخِلَ " على اللام في " لِيَغْفِرَ " ، فالمعنى: إَِنّا فَتَحْنا لك لِيَغْفِرَ لك اللهُ لِيُدْخِلَ المؤمنين، ولذلك لم يُدخِل بينهما واو العطف، والمعنى: لِيُدْخِل ولِيُعَذِّب.

قوله تعالى: { عليهم دائرةُ السُّوْء } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: بضم السين؛ والباقون بفتحها.

قوله تعالى: { وكان ذلك } أي: ذلك الوَعْد بإدخالهم الجنة وتكفير سيِّئاتهم { عِنْدَ الله } أي: في حُكمه { فَوزاً عظيماً } لهم؛ والمعنى: أنه حكم لهم بالفَوْز، فلذلك وعدهم إِدخال الجنة.

قوله تعالى: { الظانِّين بالله ظَنَّ السَّوْءِ } فيه خمسة أقوال:

أحدها: أنهم ظنُّوا أن لله شريكاً.

والثاني: أن الله لا ينصُر محمداً وأصحابه.

والثالث: أنهم ظنُّوا به حين خرج إِلى الحديبية أنه سيُقْتَل أويُهْزَمُ ولا يعود ظافراً.

والرابع: أنهم ظنُّوا أنهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة واحدة عند الله.

والخامس: ظنُّوا أن الله لا يبعث الموتى وقد بيَّنّا معنى " دائرة السّوء في [براءة: 98].

وما بعد هذا قد سبق بيانه [الفتح: 4] [الاحزاب: 45] إِلى قوله: { لِيؤْمِنوا بالله ورسوله } قرأ ابن كثير " ، وأبو عمرو: " لِيُؤْمِنوا " بالياء " ويُعزِّروه ويُوقِّروه ويُسبِّحوه " كلُّهن بالياء، والباقون: بالتاء؛ على معنى: قل لهم: إِنّا أرسلناك، لتؤمنوا. وقرأ علي بن أبي طالب: وابن السميفع: { ويُعَزٍّزوه } بزاءين وقد ذكرنا في [الأعراف: 157] معنى " ويُعَزِّروه " عند قوله: { وعزَّروه ونصروه }.

قوله تعالى: { ويوقِّروه } أي: يعظِّموه ويبجِّلوه. واختار كثير من القرَّاء الوقف هاهنا، لاختلاف الكناية فيه وفيما بعده.

السابقالتالي
2