الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

قوله تعالى: { محمدٌ رسولُ الله } وقرأ الشعبي، وأبو رجاء، وأبو المتوكل، والجحدري: " محمداً رسولُ الله " بالنصب فيهما. قال ابن عباس شَهِد: له بالرِّسالة.

قوله تعالى: { والذين معه } يعني أصحابه والأشدّاء: جمع شديد. قال الزجاج: والأصل أَشْدِدَاءُ، نحو نصيب وأنصباء، ولكن الدّالَين تحركتا، فأُدغمت الأولى في الثانية، [ومثله] { مَنْ َيْرَتَّد منكم } [المائدة:54].

قوله تعالى: { رُحَماءُ بينَهم } الرُّحَماء جمع رحيم، والمعنى: أنهم يُغْلِظون على الكفار، وَيتوادُّون بينَهم { تَراهم رُكَّعاً سُجَّداً } يَصِفُ كثرة صَلاتهم { يبتغون فَضْلاً من الله } وهو الجنة { ورِضواناً } وهو رضى الله عنهم. وهذا الوصف لجميع الصحابة عند الجُمهور وروى مبارك بن فضاله عن الحسن البصري أنه قال: " والذين معه " أبو بكر " أشداء على الكفار " عمر " رحماء بينهم " عثمان " تراهم رُكَّعاً سُجَّداً " عليّ بن أبي طالب " يبتغون فضلاً من الله ورضواناً " طلحة والزبير وعبدالرحمن وسعد وسعيد وأبو عبيدة.

قوله تعالى: { سِيماهم } أي: علامتهم { في وُجوههم } ، وهل هذه العلامة في الدنيا، أم في الآخرة؟ فيه قولان.

أحدهما: في الدنيا. ثم فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها السَّمْت الحسن، قاله ابن عباس في رواية ابن أبي طلحة؛ وقال في رواية مجاهد: أما إِنه ليس بالذي ترون، ولكنه سيما الإِسلام وسَمْتُه وخُشوعُه، وكذلك قال مجاهد: ليس بِنَدَبِ التراب في الوجه، ولكنه الخُشوع والوَقار والتواضع.

والثاني: أنه نَدَى الطَّهور وتَرَى الأرض، قاله سعيد بن جبير. وقال أبو العالية: لأنهم يسجُدون على التراب لا على الأثواب. وقال الأوزاعي: بلغني أنه ما حمَلَتْ جباهُهم من الأرض.

والثالث: أنه السُّهوم، فإذا سهم وجه الرجُل من الليل أصبح مُصفارّاً. قال الحسن البصري: " سيماهم في وجوههم ": الصُّفرة؛ وقال سعيد بن جبير: أثر السهر؛ وقال شمر بن عطية: هو تهيُّج في الوجه من سهر الليل.

والقول الثاني: أنها في الآخرة. ثم فيه قولان.

أحدهما: أن مواضع السجود من وجوههم يكون أشدَّ وجوههم بياضاً يوم القيامة، قاله عطية العوفي، وإِلى نحو هذا ذهب الحسن، والزهري. وروى العوفي عن ابن عباس قال: صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة.

والثاني: أنهم يُبْعَثون غُراً محجَّلين من أثر الطَّهور، ذكره الزجاج.

قوله تعالى: { ذلك مَثَلُهم } أي: صِفَتُهم والمعنى أن صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه { في التوراة } هذا.

فأما قوله: { ومَثَلُهم في الإِنجيل } ففيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أن هذا المَثَل المذكور أنه في التوراة هو مَثَلُهم في الإِنجيل. قال مجاهد: مَثَلُهم في التوراة والإِنجيل واحد.

والثاني: أن المتقدِّم مَثَلُهم في التوراة، فأمّا مَثَلُهم في الإِنجيل فهو قوله: { كزرعٍ } ، وهذا قول الضحاك، وابن زيد.

السابقالتالي
2