قوله تعالى: { هُمُ الذين كفَروا } يعني أهل مكة { وصدًّوكم عن المسجد الحرام } أن تطوفوا به وتحلّوا من عُمرتكم { والهَدْيَ } قال الزَّجاج: أي: وصدُّوا الهدي { معكوفاً } أي: محبوساً { أن يبلُغَ } أي: عن أن يبلُغَ { مَحِلَّه } قال المفسرون: " مَحِلّه " مَنْحَره، وهو حيث يَحِلُّ نَحْرُه { ولولا رجالٌ مؤمِنون ونساءٌ مؤمنات } وهم المستَضعفون بمكة { لم تَعْلَموهم } أي: لم تعرفوهم { أن تطؤُوهم } بالقتل. ومعنى الآية: لولا أن تطؤوا رجالاً مؤمنين ونساءٌ مؤمنات بالقتل، وُتوقِعوا بهم ولا تعرفونهم، { فتُصيبَكم منهم مَعَرَّةٌ } وفيها أربعة أقوال. أحدهما: إِثم، قاله ابن زيد. والثاني: غُرم الدِّيَة، قاله ابن إِسحاق. والثالث: كفّارة قتل الخطأ، قاله ابن السائب. والرابع: عيب بقتل مَنْ هو على دينكم، حكاه جماعة من المفسرين. وفي الآية محذوف، تقديره: لأدخلتُكم من عامكم هذا؛ وإنما حُلْتُ بينكم وبينهم { لِيُدْخِلَ اللهُ في رحمته } أي: في دينه { من يشاء } من أهل مكة، وهم الذين أسلموا بعد الصُّلح { لو تزيَّلوا } قال ابن عباس: لو تفرَّقوا. وقال ابن قتيبة، والزجاج: لو تميَّزوا. قال المفسرون: لو انماز المؤمنون من المشركين { لعذَّبْنا الذين كفروا } بالقتل والسَّبْي بأيديكم. وقال قوم: لو تزيَّل المؤمنون من أصلاب الكُفّار لعذَّبْنا الكفار. وقال بعضهم: قوله: " لعذَّبْنا " جواب لكلامين. أحدهما: " لولا رجال " ، والثاني: " لو تزيَّلوا " وقوله { إِذ جَعَل } من صلة قوله { لعذَّبْنا }. والحميَّة: الأنَفَة والجَبَريَّة. قال المفسرون: وإنما أخذتهم الحمية حين أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم دخول مكة، فقالوا: يدخلون علينا [وقد قتلوا] أبناءنا وإِخواننا فتتحدَّث العربُ بذلك! واللهِ لا يكون ذلك، { فأنْزَلَ اللهُ سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } فلم يَدخُلْهم ما دخل أولئك فيخالفوا الله في قتالهم. وقيل: الحميَّةُ ما تداخل سهيلَ بن عمرو من الأنَفَة أن يكتُب في كتاب الصُّلح ذِكْر " الرحمن الرحيم " وذِكْر " رسول الله " صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى: { وألزَمَهم كَلِمةَ التَّقوى } فيه خمسة أقوال. أحدهما: " لا اله إلا الله " ، قاله ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، والسدي، وابن زيد في آخرين، وقد روي مرفوعاً إِلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعلى هذا يكون معنى: " ألزَمَهم ": حَكَمَ لهم بها، وهي التي تَنفي الشِّرك. والثاني: " لا إِله إلا الله والله أكبر " ، قاله ابن عمر. وعن علي بن أبي طالب كالقولين. والثالث: " لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له له المُلك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " ، قاله عطاء بن أبي رباح. والرابع: " لا ِإله إِلا الله محمد رسول الله " ، قاله عطاء الخراساني. والخامس: " بسم الله الرحمن الرحيم " ، قاله الزهري. فعلى هذا يكون المعنى: أنه لمّا أبى المشركون أن يكتُبوا هذا في كتاب الصُّلح، ألزمه اللهُ المؤمنين. { وكانوا أحقَّ بها } من المشركين { و } كانوا { أهلَها } في عِلْم الله تعالى.