الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } * { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } * { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } * { وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً }

ثم ذكر الذين أخلصوا نِيَّتهم وشَهِدوا بَيْعة الرّضوان بقوله: { لقد رضِيَ اللهُ عن المؤمِنين } وقد ذكرنا سبب هذه البَيْعة آنفاً، وإِنما سمِّيتْ بَيْعةَ الرّضوان، لقوله: { لقد رَضِيَ اللهُ عن المؤمنين إذ يُبايعونك تحت الشجرة } روى إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه، قال: بينما نحن قائلون زمن الحديبية، نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس، البَيْعةَ البَيْعةَ، نَزَل روح القُدُس قال: فثُرنا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة سَمُرة، فبايَعْناه، وقال عبد الله بن مغفَّل: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة يبايع الناس، وإِنِّي لأرفع أغصانَها عن رأسه. وقال بكير بن الأشج: كانت الشجرة بفجٍّ نحو مكة. قال نافع: كان الناس يأتون تلك الشجرة فيصلُّون عندها، فبلغ ذلك عمرَ بن الخطاب فأوعدهم فيها وأمر بها فقُطِعتْ.

قوله تعالى: { فَعَلِمَ ما في قُلوبهم } أي: من الصِّدق والوفاء، والمعنى: علم أنهم مُخْلِصون { فأنزل السَّكينة عليهم } يعني الطُّمأنينة والرِّضى حتى بايَعوا على أن يقاتِلوا ولا يَفِرُّوا { وأثابهم } أي: عوَّضهم على الرِّضى بقضائه والصَّبر على أمره { فَتْحاً قريباً } وهو خيبر، { ومَغانِمَ كثيرةً يأخذونها } أي: من خيبر، لأنها كانت ذات عَقار وأموال، فأمّا قوله بعد هذا: { وعَدَكم اللهُ مَغانِمَ كثيرة تأخذونها } فقال المفسرون: هي الفُتوح التي تُفْتَح على المسلمين إِلى يوم القيامة.

{ فعجَّل لكم هذه } فيها قولان.

أحدهما: أنها غنيمة خيبر، قاله مجاهد، وقتادة، والجمهور.

والثاني: أنه الصُّلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، رواه العوفي عن ابن عباس.

قوله تعالى: { وكَفَّ أيديَ الناس عنكم } فيهم ثلاثة أقوال.

أحدها: أنهم اليهود همُّوا أن يغتالوا عيال المسلمين الذين خلّفوهم في المدينة، فكفَّهم اللهُ عن ذلك، قاله قتادة.

والثاني: أنهم أسد وغطفان جاؤوا لينصروا أهل خيبر، فقَذَفَ اللهُ في قلوبهم الرُّعب، فانصرفوا عنهم، قاله مقاتل. وقال الفراء: كانت أسد وغطفان [مع أهل خيبر، فقصدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالحوه وخلَّوا بينه وبين خيبر. وقال غيرهما: بل همَّت أسد وغطفان] باغتيال [أهل] المدينة، فكفَّهم اللهُ عن ذلك.

والثالث: أنهم أهل مكة كفَّهم اللهُ بالصلح،حكاهما الثعلبي وغيره.

ففي قوله " عنكم " قولان.

أحدهما: أنه على أصله، قاله الأكثرون.

والثاني: عن عيالكم، قاله ابن قتيبة، وهو مقتضى قول قتادة.

{ ولِتَكون آيةً للمؤمنين } في المشار إليها قولان.

أحدهما: أنها الفَعْلة التي فَعَلها بكم من كَفِّ أيديهم عنكم كانت آيةً للمؤمنين، فعَلِموا أن الله تعالى متولَّي حراستهم في مَشهدهم ومَغيبهم.

والثاني: أنها خيبر كان فتحها علامةً للمؤمنين، في تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما وعدهم به.

السابقالتالي
2 3