الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } * { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } * { سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } * { وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ }

قوله تعالى: { الذين كَفَروا } أي: بتوحيد الله { وصَدُّوا } الناس عن الإِيمان به، وهم مشركو قريش، { أَضَلَّ أعمالَهم } أي: أبطلها، ولم يجعل لها ثواباً، فكأنَّها لم تكن؛ وقد كانوا يُطْعِمُون الطَّعامَ، ويَصِلون الأرحام، ويتصدّقون، ويفعلون ما يعتقدونه قُرْبَةً.

{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات } يعني: أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

{ وآمَنوا بما نُزِّل على محمد } وقرأ ابن مسعود { نَزَّلَ } بفتح النون والزَّاي وتشديدها. وقرأ أُبيُّ بن كعب، ومعاذ القارىء: " أُنْزِلَ " بهمزة مضمومة مكسورة الزَّاي. وقرأ أبو رزين، وأبو الجوزاء، وأبو عمران: " نَزَلَ " بفتح النون والزاي وتخفيفها، { كَفَّر عنهم سيِّئآتِهم } أي: غفرها لهم { وأصْلَحَ بالَهم } أي: حالَهم، قاله قتادة، والمبرِّد.

قوله تعالى: { ذلك } قال الزجاج: معناه: الأمرُ ذلك، وجائز أن يكون: ذلك الإِضلال، لاتِّباعهم الباطل، وتلك الهداية والكفّارات باتِّباع المؤمنين الحقَّ، { كذلك يَضْرِبُ اللهُ للناس أمثالَهم } أي: كذلك يبيِّن أمثال حسنات المؤمنين وسيِّئات الكافرين كهذا البيان.

قوله تعالى: { فضَرْبَ الرِّقابِ } إِغراءُ؛ والمعنى: فاقتُلوهم، لأن الأغلب في موضع القتل ضربُ العُنق { حتى إَذا أثْخَنْتموهم } أي: أكثرتُم فيهم القتل { فشُدُّوا الوَثاقَ } يعني في الأسر؛ وإِنما يكون الأسر بعد المبالغة في القتل. و " الوَثاق " اسم من الإِيثاق؛ تقول: أوثقتُه إِيثاقاً ووَثاقاً، إِذا شددتَ أسره لئلا يُفْلِت { فإمّا مَنّاً بَعْدُ } قال أبو عبيدة: إِمّا أن تُمنُّوا وإِمّا أن تفادوا، ومثلُه سَقْياً، ورَعْياً، وإِنما هو سُقِيتَ ورُعِيتَ. وقال الزجاج: إِمَّا منَنَتُم عليهم بعد أن تأسِروهم مَنّاً، وإِمّا أطلقتُموهم بِفِداء.

فصل

وهذه الآية محكَمة عند عامَّة العلماء. وممَّن ذهب إِلى أنَّ حُكم المَنِّ والفداء باقٍ لم يُنْسَخ: ابنُ عمر، ومجاهدٌ، والحسنُ، وابنُ سيرين، وأحمدُ، والشافعيُّ. وذهب قوم إلى نسخ المَنِّ والفداء بقوله: { فاقْتُلوا المشركين حيثُ وجدتموهم } ، وممن ذهب إلى هذا ابن جريج، والسدي وأبو حنيفة. وقد أشرنا إِلى القولين في [براءة: 5].

قوله تعالى: { حتَّى تَضَعَ الحربُ أوزارَها } قال ابن عباس: حتى لا يبقى أحد من المشركين. وقال مجاهد: حتى لا يكون دِينُ إِلاّ دين الإِسلام. وقال سعيد بن جبير: حتى يخرُج المسيح. وقال الفراء: حتى لا يبقى إلاّ مُسْلِم أو مُسالِم. وفي معنى الكلام قولان:

أحدهما: حتى يضعَ أهلُ الحرب سلاحَهم؛ قال الأعشى:
وَأًَعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ أَوْزَارَهَا   رِمَاحاً طِوَالاً وَخَيْلاً ذُكُوراَ
وأصل " الوِزْرِ " ما حملته، فسمّى السلاح " أوزاراً " لأنه يُحْمل، هذا قول ابن قتيبة.

والثاني: حتى تضعَ حربُكم وقتالكم أوزارَ المشركين وقبائح أعمالهم بأن يُسْلِموا ولا يعبُدوا إِلاَّ الله، ذكره الواحدي.

قوله تعالى: { ذلك } أي: الأمر ذلك الذي ذَكَرْنا { ولو يشاء اللهُ لانْتَصَر منهم } بإهلاكهم أوتغذيتهم بما شاء { ولكنْ } أمركم بالحرب { لِيَبْلُو بعضَكم ببعض } فيُثيب المؤمن ويُكرمه بالشهادة، ويُخزي الكافر بالقتل والعذاب.

السابقالتالي
2