الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } * { إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ } * { إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ } * { هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم }

قوله تعالى: { فلا تَهِنُوا } أي: فلا تَضْعُفوا { وتَدْعوا إِلى السَّلْم } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي، وحفص عن عاصم: { إِلى السَّلْم } بفتح السين؛ وقرأ حمزة، وأبو بكر عن عاصم: بكسر السين، والمعنى: لا تَدْعُوا الكفار إِلى الصلح ابتداءاً. وفي هذا دلالة على أنه لا يجوز طلب الصُّلح من المشركين، و دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل مكة صلحاً، لأنه نهاه عن الصُّلح.

قوله تعالى: { وأنتم الأعْلَوْنَ } أي: أنتم أعزُّ منهم، والحُجَّة لكم، وآخِرُ الأمر لكم وإِن غَلَبوكم في بعض الأوقات { واللهُ معكم } بالعَوْن والنُّصرة { ولن يَتِرَكُمْ } قال ابن قتيبة: أي: لن يَنْقُصَكم ولن يَظْلِمَكم، يقال وتَرْتَني حَقِّي، أي بَخسْتَنِيه. قال المفسرون: المعنى: لن يَنْقُصَكم من ثواب أعمالكم شيئا.

قوله تعالى: { ولا يَسألْكم أموالكم } أي: لن يَسألَكُموها كُلَّها.

قوله تعالى: { فيُحْفِكُم } قال الفراء: يُجْهِدكم. وقال ابن قتيبة: يُلِحّ عليكم بما يوجبه في أموالكم { تبخلوا } ، يقال: أحْفاني بالمسألة وألحْف: إِذا ألحَّ. وقال السدي: إِن يسألْكم جميعَ ما في أيديكم تبخلوا.

{ ويُخْرِجْ أضغانَكم } وقرأ سعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وابن يعمر: { ويُخْرَج } بياء مرفوعه وفتح الراء { أضغانُكم } بالرفع. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو رزين، وعكرمة، وابن السميفع، وابن محيصن، والجحدري: { وتَخْرُج } بتاء مفتوحة ورفع الراء { أضغانُكم } بالرفع. وقرأ ابن مسعود، والوليد عن يعقوب: { ونُخْرِج } بنون مرفوعة وكسر الراء { أضغانَكم } بنصب النون، أي يُظهر بُغضَكم وعداوتَكم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولكنه فرض عليكم يسيراً.

وفيمن يضاف إِليه هذا الإِخراج وجهان:

أحدهما: إِلى الله عز وجل.

والثاني: البخل، حكاهما الفراء. وقد زعم قوم أن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة، وليس بصحيح، لأنّا قد بيَّنّا أن معنى الآية: إن يسألْكم جميعَ أموالكم؛ والزكاة لا تنافي ذلك.

قوله تعالى: { ها أنتم هؤلاء تَدْعَوْنَ لِتُنْفِقوا في سبيل الله } يعني ما فرض عليكم في أمولكم { فمنكم من يَبْخَلُ } بما فُرض عليه من الزكاة { ومَنْ يَبْخَلْ فإنما يَبْخَلُ عن نَفْسه } أي: على نفسه بما ينفعٌها في الآخرة { واللهُ الغنيُّ } عنكم وعن أموالكم { وأنتم الفقراء } إِليه إلى ما عنده من الخير والرحمة { وإن تتولَّوا } عن طاعته { يَسْتَبْدِلْ قوْماً غيرَكم } أطوعُ له منكم { ثُمَّ لا يكونوا أمثالكم } بل خيراً منكم. وفي هؤلاء القوم ثمانية أقوال:

أحدها: أنهم العجم، قاله الحسن، وفيه حديث يرويه أبو هريرة قال: لمّا نزلت { وإِن تتولَّوا يَسْتَبْدِلْ قوْماً غيرَكم } كان سلمان إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، مَنْ هؤلاء الذين إذا تولَّينا استُبْدِِلوا بنا؟ فضرب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم [يدَه] على مَنْكِب سلمان، فقال: " هذا وقومُه، والذي نفسي بيده، لو أن الدِّين معلَّق بالثُّريَّا لتناوله رجال من فارس ".

السابقالتالي
2