ثم احتج على إحياء الموتى بقوله: { أَوَلَمْ َيَروْا... } إِلى آخر الآية. والرُّؤية هاهنا بمعنى العِلْم. { ولَمْ يَعْيَ } أي: لم يَعْجَزْ عن ذلك؛ يقال: عَيَّ فلانٌ بأمره، إِذا لم يَهتد له ولم يَقدر عليه. قال الزجاج: يقال عَيِيتُ بالأمر، إِذا لم تعرف وجهه، وأعيَيْتُ، إِذا تعبتَ. قوله تعالى: { بقادرٍ } قال أبو عبيدة والأخفش: الباء زائدة مؤكِّدة. وقال الفراء: العرب تُدخل الباءَ مع الجحد، مثل قولك ما أظُنُّك بقائم، وهذا قول الكسائي، والزجاج. وقرأ يعقوب: " يَقْدْرُ " بياء مفتوحة مكان الباء وسكون القاف ورفع الراء من غير ألف. وما بعد هذا ظاهر إِلى قوله: { كما صَبَرَ أُولُوا العَزْم } أي: ذَوو الحَزْم والصَّبْر؛ وفيهم عشرة أقوال: أحدها: أنهم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، صلى الله عليهم وسلم، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقتادة، وعطاء الخراساني، وابن السائب. والثاني: نوح، وهود، وإبراهيم، ومحمد، صلى الله عليهم وسلم، قاله أبو العالية الرياحي. والثالث: أنهم الذين لم تُصِبْهم فتنةٌ من الأنبياء، قاله الحسن. والرابع: أنهم العرب من الأنبياء، قاله مجاهد والشعبي. والخامس: أنهم إبراهيم، وموسى، وداود، وسليمان، وعيسى، ومحمد، صلى الله عليهم وسلم، قاله السدي. والسادس: أن منهم إِسماعيل، ويعقوب، وأيُّوب، وليس منهم آدم، ولا يونس، ولا سليمان، قاله ابن جريج. والسابع: أنهم الذين أُمروا بالجهاد والقتال، قاله ابن السائب، وحكي عن السدي. والثامن: أنهم جميع الرُّسل، فإن الله لم يَبْعَثْ رسولاً إِلاّ كان من أُولي العزم، قاله ابن زيد، واختاره ابن الأنباري، وقال: " مِنْ " دخلتْ للتجنيس لا للتبعيض، كما تقول: قد رأيتُ الثياب من الخَزِّ والجِباب من القَزِّ. والتاسع: أنهم الأنبياء الثمانية عشر المذكورون في سورة [الأنعام: 83ـ 86]، قاله الحسين بن الفضل. والعاشر: أنهم جميع الأنبياء إِلاّ يونس، حكاه الثعلبي. قوله تعالى: { ولا تَسْتَعْجِلْ لهم } يعني العذاب قال بعض المفسرين: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم ضَجِر بعض الضَّجَر، وأحبَّ أن ينزل العذاب بمن أبى من قومه، فأُمر بالصَّبر. قوله تعالى: { كأنَّهم يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدونَ } أي: من العذاب { لَمْ يَلْبَثُوا } في الدنيا { إِلاّ ساعةً مِنْ نَهارٍ } لأن ما مضى كأنه لم يكن وإن كان طويلاً. وقيل: لأن مقدار مَكْثهم في الدُّنيا قليلٌ في جَنْبِ مَكْثهم في عذاب الآخرة. وهاهنا تم الكلام. ثم قال: { بلاغٌ } أي: هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغٌ عن الله إِليكم. وفي معنى وَصْفِ القرآنِ بالبلاغ قولان: أحدهما: أن البلاغ بمعنى التبليغ. والثاني: أن معناه: الكفاية، فيكون المعنى: ما أخبرناهم به لهم فيه كفايةٌ وغِنىً. وذكر ابن جرير وجهاً آخر، وهو أن المعنى: لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعةً من نهار، ذلك لُبْث بلاغ، أي: ذلك بلاغ لهم في الدنيا إِلى آجالهم، ثُمَّ حُذفتْ " ذلك لُبْث " اكتفاءً بدلالة ما ذُكِر في الكلام عليها. وقرأ أبو العالية، وأبو عمران: " بَلِّغْ " بكسر اللام وتشديدها وسكون الغين من غير ألف. قوله تعالى: { فهل يُهْلَكُ } وقرأ أبو رزين، وأبو المتوكل، وابن محيصن: { يَهْلِكُ } بفتح الياء وكسر اللام، أي: عند رؤية العذاب { إلاّ القَوْمُ الفاسقونَ } الخارجون عن أمر الله عز وجل.