الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } * { قَالُواْ يٰقَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { يٰقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

قوله تعالى: { وإِذ صَرَفْنا إِليك نَفَراً من الجِنِّ } وبَّخ اللهُ عز وجل بهذه الآية كُفّارَ قريش بما آمنتْ به الجِنُّ. وفي سبب صرفهم إِلى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقوال:

أحدها: أنهم صُرِفوا إِليه بسبب ما حدث من رجمهم بالشُّهُب. روى البخاري ومسلم في " الصحيحين " من حديث ابن عباس قال: انطلَق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إِلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأُرسلتْ عليهم الشُّهُب، فرجعت الشياطين فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حِيل بيننا وبين خبر السماء، وأُرسلْت علينا الشُّهُب، قالوا: ما ذاك إِلاّ من شيءٍ حدث، فاضرِبوا مشارق الأرض ومغاربَها فانظروا ما هذا الأمر. فمرَّ النَّفرُ الذين توجَّهوا نحو تِهامة بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وهو بـ " نَخْلةَ " وهو يصلِّي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن تسمَّعوا له، فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجَعوا إِلى قومهم فقالوا:إِنّا سَمِعْنا قرآناً عَجَباً يَهدي إِلى الرُّشْد } [الجن: 1ـ 2] فأنزل اللهُ على نبيِّهقُلْ أُوحِيَ إِليَّ أنه استَمَعَ نَفَرٌ من الجِنِّ } [الجن:1] وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما قرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على الجن، ولا رآهم، وإِنما أتَوْه وهو بـ " نخلة " فسمعوا القرآن.

والثاني: أنهم صُرِفوا إِليه لِيُنْذِرهم، وأمر أن يقرأ عليهم القرآن، هذا مذهب جماعة، منهم قتادة. وفي أفراد مسلم " من حديث علقمة قال: قلت لعبد الله: من كان منكم مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليلةَ الجن؟ فقال: ما كان منَّا معه أحد. فقدْناه ذاتَ ليلة ونحن بمكة، فقلنا: اغتيل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أو استُطير، فانطلقْنا نطلبه في الشِّعاب، فلقِيناهُ مُقْبِلاً من نحو حِراء، فقلنا: يا رسول الله، أين كنتَ؟ لقد أشفقنا عليك، وقلنا له: بِتْنا الليلةَ بِشَرِّ ليلةٍ بات بها قوم حين فَقَدْناكَ، فقال: " إِنه أتاني داعي الجن، فذهبت أُقْرِئهم القرآن " فذهبَ بنا، فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم " وقال قتادة: " ذُكِر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنِّي أُمِرْتُ أن أقرأ على الجن، فأيُّكم يَتبعُني "؟ فاطرقوا، ثم استتبعهم فأطرقوا، ثم استتبعهم الثالثةَ فأطرقوا، فأتبعه عبد الله بن مسعود، فدخل نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم شِعْباً يقال له: " شِعْبُ الحَجون " ، وخطَّ على عبد الله خطّاً ليُثبته به، قال: فسمعت لغطاً شديداً حتى خِفْتُ على نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم فلمّا رجَع قلت: يا نبي الله ما اللغط الذي سمعتُ، قال: " اجتَمعوا إِليَّ في قتيل كان بينهم، فقضيت بينهم بالحق "

السابقالتالي
2