الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

فصل في نزولها

روى العوفي وابن أبي طلحة عن ابن عباس أنها مكِّيَّة. وبه قال الحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والجمهور. وروي عن ابن عباس وقتادة أنهما قالا: فيها آية مدنيَّة، وهي قوله:قُلْ أرأيتثم إِن كان مِنْ عِنْدِ اللهِ } [الأحقاف: 10] وقال مقاتل: نزلت بمكة غير آيتين: قولهقُلْ أرأيتثم إِن كان مِنْ عِنْدِ اللهِ } [الأحقاف: 10] وقوله:فاصْبِرْ كما صَبَرَ أُولُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } [الأحقاف: 35] نزلتا بالمدينة. وقد تقدم تفسير فاتحتها [المؤمن] [الحجر: 85] إلى قوله: { وأجَلٍ مُسَمَّىً } وهو أجَل فَناء السموات والأرض، وهو يوم القيامة.

قوله تعالى: { قل أرأيتم } مفسَّر في [فاطر: 40] إلى قوله: { إِيتوني بكتاب } ، وفي الآية اختصار، تقديره: فإن ادَّعَواْ أن شيئاً من المخلوقات صنعةُ آلهتهم، فقل لهم: إيتوني بكتاب { مِنْ قَبْلِ هذا } أي: مِنْ قَبْلِ القرآن فيه برهانُ ما تدَّعون من أن الأصنام شركاءُ الله، { أو أثارةٍ مِنْ عِلْمٍ } وفيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه الشيء يثيره مستخرجه، قاله الحسن.

والثاني: بقيَّة مِنْ عِلْمٍ تُؤثَر عن الأوَّلِين، قاله ابن قتيبة. وإِلى نحوه ذهب الفراء، وأبو عبيدة.

والثالث: علامة مِنْ عِلْم، قاله الزجاج. وقرأ ابن مسعود، وأبو رزين، وأيوب السختياني، ويعقوب: " أثَرَةٍ " بفتح الثاء، مثل شجرة. ثم ذكروا في معناها ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه الخَطُّ، قاله ابن عباس؛ وقال هو خَط كانت العرب تخُطُّه في الأرض، قال أبو بكر بن عيّاش: الخَطُّ هو العِيافة.

والثاني: أو عِلْم تأثُرونه عن غيركم، قاله مجاهد.

والثالث: خاصَّة مِنْ عِلْم، قاله قتادة.

وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، وقتادة، والضحاك، وابن يعمر: { أثْرَةٍ } بسكون الثاء من غير ألف بوزن نَظْرَةٍ.

وقال الفراء: قرئت " أثارةٍ " و " أثَرَةٍ " ، وهي لغات، ومعنى الكل: بقيَّة مِنْ عِلْم، ويقال: أو شيء مأثور من كتب الأولين، فمن قرأ " أثارةٍ " فهو المصدر، مثل قولك: السماحة والشجاعة، ومن قرأ " أثَرَةٍ " فإنه بناه على الأثَر، كما قيل: قَتَرة، ومن قرأ " أثْرَةٍ " فكأنه أراد مثل قوله: الخَطْفَة " [الصافات: 10] و " الرَّجْفَة " [الأعراف: 78].

وقال اليزيدي: الأثارة: البقيَّة؛ والأثَرَة، مصدر أثَرَه يأثُرُه، أي: يذكُره ويَرويه، ومنه حديثٌ مأثور.