ثم خوف كفار مكة فقال عز وجل { ولقد مكَّنّاهم فيما إِنْ مكَّنّاكم فيه } في " إِنْ " قولان: أحدهما: أنها بمعنى " لَمْ " ، فتقديره: فيما لم نمكِّنْكم فيه، [قاله ابن عباس، وابن قتيبة. وقال الفراء: هي بمنزلة " ما " في الجحد، فتقديره: الكلام: في الذي لم نمكِّنْكم فيه]. والثاني: أنها زائدة؛ والمعنى فيما مكَّنّاكم فيه، وحكاه ابن قتيبة أيضاً. ثم أخبر أنه جعل لهم آلات الفهم، فلم يتدبَّروا بها، ولم يتفكّروا فيما يدلُّهم على التوحيد. قال المفسرون: والمراد بالأفئدة: القلوب؛ وهذه الآلات لم ترُدَّ عنهم عذابَ الله. ثم زاد كفَّارَ مكة في التخويف فقال: { ولقد أهْلَكْنا ما حولَكم من القُرى } كديار عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم من الأُمم المُهْلَكة { وصرَّفْنا الآياتِ } أي: بيَّنّاها { لعلَّهم } يعني أهل القُرى { يَرجِعونَ } عن كفرهم. وهاهنا محذوف، تقديره: فما رَجَعوا عن كفرهم. { فلولا } أي: فهلاّ { نَصَرَهم } أي: منعهم من عذاب الله { الذين اتَّخَذوا مِنْ دون اللهُ قرباناً آلهةً }؟! يعني الأصنام التي تقرَّبوا بعبادتها إِلى الله على زعمهم؛ وهذا استفهام إِنكار معناه: لم ينصروهم { بل ضَلُّوا عنهم } أي: لم ينفعوهم عند نزول العذاب { وذلك } يعني دعاءَهم الآلهةَ { إِفكُهم } أي: كذبهم. وقرأ سعد بن أبي وقاص، وابن يعمر، وأبو عمران: { وذلك أفَّكَهم } بفتح الهمزة وقصرها وفتح الفاء وتشديدها ونصب الكاف. وقرأ أًبيُّ بن كعب، وابن عباس، وأبو رزين، والشعبي، وأبو العالية، والجحدري: " أفَكَهم " بفتح الهمزة وقصرها ونصب الكاف والفاء [وتخفيفها]. قال ابن جرير: أي أضلَّهم. وقال الزجاج: معناها: صَرَفهم عن الحق فجعلهم ضُلاّلاً. وقرأ ابن مسعود، وأبو المتوكل: { آفِكُهم } بفتح الهمزة ومدِّها وكسر الفاء وتخفيفها ورفع الكاف، أي مُضِلُّهم.