الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } * { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ }

قوله تعالى: { واذْكُرْ أخا عادٍ } يعني هوداً { إِذ أنذَرَ قومَه بالأحقاف } قال الخليل: الأحقاف: الرِّمال العِظام. وقال ابن قتيبة: واحد الأحقاف: حِقْف، وهو من الرَّمْل: ما أشرَفَ من كُثبانه واستطال وانحنى. وقال ابن جرير: هو ما استطال من الرَّمْل ولم يبلُغ أن يكون جَبَلاً.

واختلفوا في المكان الذي سمَّي بهذا الاسم على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه جبل بالشام، قاله ابن عباس، والضحاك.

والثاني: أنه وادٍ، ذكره عطية. وقال مجاهد: هي أرض. وحكى ابن جرير أنه وادٍ بين عُمان ومَهْرة. وقال ابن إِسحاق: كانوا ينزِلون ما بين عُمان وحَضْرَمَوْت واليمن كلُّه.

والثالث: أن الأحقاف: رمال مشرِفة على البحر بأرض يقال لها الشِّحْر، قاله قتادة.

قوله تعالى: { وقد خَلتِ النُّذُرُ } أي: قد مضت الُّرُّسل مِنْ قَبْلِ هود ومِنْ بَعده بإنذار أُممها { ألاّ تعبُدوا إِلاّ اللهَ }؛ والمعنى لم يُبعَث رسولٌ قَبْلَ هود ولا بعده إِلاّ بالأمر بعبادة الله وحده. وهذا كلام اعترض بين إِنذار هود وكلامه لقومه. ثم عاد إِلى كلام هود فقال: { إِنِّي أخافُ عليكم }.

قوله تعالى: { لِتأفِكَنا } أي: لِتَصْرِفَنا عن عبادة آلهتنا بالإِفك.

قوله تعالى: { إِنَّما العِلْمُ عِنْدَ اللهِ } أي: هو يَعْلَم متى يأتيكم العذاب.

{ فلمّا رأوْه } يعني ما يوعَدون في قوله: " بما تَعِدُنا " { عارِضاً } أي: سحاب يعرُض من ناحية السماء. قال ابن قتيبة: العارض: السحاب. قال المفسرون: كان المطر قد حُبِس عن عاد، فساق اللهُ إِليهم سحابةً سوداءَ فلمّا رأوها فرحوا و { قالوا هذا عارضٌ مُمْطِرُنا } ، فقال لهم هود: { بل هو ما استَعْجَلْتم به } ، ثم بيَّن ما هو فقال: { ريح فيها عذابٌ أليمٌ } ، فنشأت الرِّيح من تلك السحابة، { تُدمِّر كُلَّ شيء } أي: تُهٍلِك كلَّ شيءٍ مَرَّت به من الناس والدوابّ والأموال. قال عمرو بن ميمون: لقد كانت الرِّيح تحتمل الظّعينة فترفعُها حتى تُرى كأنها جرادة، { فأصبحوا } يعني عاداً { لا يُرَى إلا مَساكنُهم } قرأ عاصم، وحمزة: " لا يُرَى " برفع الياء " إِلاَّ مَسَاكِنُهم " برفع النون. وقرأ علي، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، وقتادة، والجحدري: " لا تُرَى " بتاء مضمومة. وقرأ أبو عمران، وابن السميفع: " لا تَرَى " بتاء مفتوحة " إلاّ مسكنهم " على التوحيد وهذا لأن السُّكّان هلكوا فقيل أصبحوا وقد غطتَّهم الرِّيح بالرَّمْل فلا يُرَوْن.