قوله تعالى: { وقال الذين كَفَروا للذين آمَنوا... } الآية، في سبب نزولها خمسة أقوال: أحدها: أن الكفار قالوا: لو كان دين محمد خيراً ما سبقَنا إِليه اليهودُ، فنزلت هذه الآية، قاله مسروق. والثاني: أن امرأة ضعيفة البَصر أسلمتْ، وكان الأشراف من قريش يهزؤون بها ويقولون: واللهِ لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقتْنا هذه إِليه، فنزلت هذه الآية، قاله أبو الزناد. والثالث: أن أبا ذر الغفاري أسلم واستجاب به قومه إِلى الإِسلام، فقالت قريش: لو كان خيراً ما سبقونا إِليه، فنزلت هذه الآية، قاله أبو المتوكل. والرابع: أنه لمّا اهتدت مُزَيْنَةَ وجُهَيْنَةُ وأسلمتْ، قالت أسَد وغَطَفان: لو كان خيراً ما سبقنا إِليه رِعاءُ الشَّاء، يعنون مُزَيْنَةَ وجُهَيْنَةَ، فنزلت هذه الآية، قاله ابن السائب. والخامس: أن اليهود قالوا: لو كان دين محمد خيراً ما سبقتْمونا إِليه، لأنه لا عِلْمَ لكم بذلك، ولو كان حَقّاً لدخَلْنا فيه، ذكره أبو سليمان الدمشقي. وقال: [هو قول مَنْ يقول: إِن الآية نزلت بالمدينة؛ ومن قال: هي مكية، قال]: هو قول المشركين. فقد خرج في " الذين كفروا " قولان: أحدهما: أنهم المشركون. والثاني: اليهود. وقوله: { لو كان خيراً } أي: لو كان دين محمد خيراً { ما سَبَقونا إِليه } فمن قال: هم المشركون، قال: أرادوا: إنّا أعَزُّ وأفضل؛ ومن قال: هم اليهود، [قال]: أرادوا لأنّا أعلم. قوله تعالى: { وإِذْا لَمْ يَهْتَدُوا به } أي: بالقرآن { فسيقولون هذا إِفّكٌ قديم } أي: كذب متقدِّم، يعنون أساطير الأولين. { ومِنْ قَبْلِهِ كتابُ موسى } أي: من قَبْلِ القرآن التوراةُ. وفي الكلام محذوف، تقديره: فلَمْ يهتدوا، لأن المشركين لم يهتدوا بالتوراة. { إماماً } قال الزجاج: هو منصوب على الحال { ورحمةً } عطف عليه { وهذا كتابٌ مُصدِّقٌ } المعنى: مصدِّقُ للتوراة { لساناً عربياً } منصوب على الحال؛ المعنى: مصدِّقُ لما بين يديه عربيّاً وذكر " لساناً " توكيداً، كما تقول: جاءني زيد رجلاً صالحاً، تريد: جاءني زيدٌ صالحاً. قوله تعالى: { لِيُنْذِرَ الذين ظَلَمُوا } قرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: " لِيُنْذِرَ " بالياء. وقرأ نافع، وابن عامر، ويعقوب: { لِتُنْذِرَ } بالتاء. وعن ابن كثير كالقراءتين. و " الذين ظلموا " المشركين { وبُشرى } أي: وهو بُشرى { للمُحْسِنِينَ } وهم الموحِّدون يبشِّرهم بالجنة. وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [فصلت: 30] إلى قوله: { بوالدَيْه حُسْناً } وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: { إحساناً } بألف. { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: { كَرْهاً } بفتح الكاف؛ وقرأ الباقون: بضمها. قال الفراء: والنحويُّون يستحبُّون الضَّمَّ هاهنا، ويكرهون الفتح، للعلَّة التي بيَّنّاها عند قوله:{ وهُوَ كُرْهٌ لكم } [البقرة: 216]. قال الزجاج: والمعنى حملته على مشقَّة { ووضعتْه } على مشقَّة. { وفِصالُه } أي: فِطامُه.