الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } * { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }

قوله تعالى: { وقال الذين كَفَروا للذين آمَنوا... } الآية، في سبب نزولها خمسة أقوال:

أحدها: أن الكفار قالوا: لو كان دين محمد خيراً ما سبقَنا إِليه اليهودُ، فنزلت هذه الآية، قاله مسروق.

والثاني: أن امرأة ضعيفة البَصر أسلمتْ، وكان الأشراف من قريش يهزؤون بها ويقولون: واللهِ لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقتْنا هذه إِليه، فنزلت هذه الآية، قاله أبو الزناد.

والثالث: أن أبا ذر الغفاري أسلم واستجاب به قومه إِلى الإِسلام، فقالت قريش: لو كان خيراً ما سبقونا إِليه، فنزلت هذه الآية، قاله أبو المتوكل.

والرابع: أنه لمّا اهتدت مُزَيْنَةَ وجُهَيْنَةُ وأسلمتْ، قالت أسَد وغَطَفان: لو كان خيراً ما سبقنا إِليه رِعاءُ الشَّاء، يعنون مُزَيْنَةَ وجُهَيْنَةَ، فنزلت هذه الآية، قاله ابن السائب.

والخامس: أن اليهود قالوا: لو كان دين محمد خيراً ما سبقتْمونا إِليه، لأنه لا عِلْمَ لكم بذلك، ولو كان حَقّاً لدخَلْنا فيه، ذكره أبو سليمان الدمشقي. وقال: [هو قول مَنْ يقول: إِن الآية نزلت بالمدينة؛ ومن قال: هي مكية، قال]: هو قول المشركين. فقد خرج في " الذين كفروا " قولان:

أحدهما: أنهم المشركون.

والثاني: اليهود.

وقوله: { لو كان خيراً } أي: لو كان دين محمد خيراً { ما سَبَقونا إِليه } فمن قال: هم المشركون، قال: أرادوا: إنّا أعَزُّ وأفضل؛ ومن قال: هم اليهود، [قال]: أرادوا لأنّا أعلم.

قوله تعالى: { وإِذْا لَمْ يَهْتَدُوا به } أي: بالقرآن { فسيقولون هذا إِفّكٌ قديم } أي: كذب متقدِّم، يعنون أساطير الأولين.

{ ومِنْ قَبْلِهِ كتابُ موسى } أي: من قَبْلِ القرآن التوراةُ. وفي الكلام محذوف، تقديره: فلَمْ يهتدوا، لأن المشركين لم يهتدوا بالتوراة. { إماماً } قال الزجاج: هو منصوب على الحال { ورحمةً } عطف عليه { وهذا كتابٌ مُصدِّقٌ } المعنى: مصدِّقُ للتوراة { لساناً عربياً } منصوب على الحال؛ المعنى: مصدِّقُ لما بين يديه عربيّاً وذكر " لساناً " توكيداً، كما تقول: جاءني زيد رجلاً صالحاً، تريد: جاءني زيدٌ صالحاً.

قوله تعالى: { لِيُنْذِرَ الذين ظَلَمُوا } قرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: " لِيُنْذِرَ " بالياء. وقرأ نافع، وابن عامر، ويعقوب: { لِتُنْذِرَ } بالتاء. وعن ابن كثير كالقراءتين. و " الذين ظلموا " المشركين { وبُشرى } أي: وهو بُشرى { للمُحْسِنِينَ } وهم الموحِّدون يبشِّرهم بالجنة.

وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [فصلت: 30] إلى قوله: { بوالدَيْه حُسْناً } وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: { إحساناً } بألف.

{ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: { كَرْهاً } بفتح الكاف؛ وقرأ الباقون: بضمها. قال الفراء: والنحويُّون يستحبُّون الضَّمَّ هاهنا، ويكرهون الفتح، للعلَّة التي بيَّنّاها عند قوله:وهُوَ كُرْهٌ لكم } [البقرة: 216]. قال الزجاج: والمعنى حملته على مشقَّة { ووضعتْه } على مشقَّة. { وفِصالُه } أي: فِطامُه.

السابقالتالي
2 3