الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ }

قوله تعالى: { أفرأيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهه هواه } قد شرحناه في [الفرقان: 43]. وقال مقاتل: نزلت هذه الآية في الحارث بن قيس السهمي.

قوله تعالى: { وأضَّله اللهُ على عِلْم } أي: على عِلْمه السابق فيه أنه لا يَهتدي { وخَتَم على سَمْعه } أي: طَبَع عليه فلم يَسمع الهُدى (و) على { قَلْبه } فلم يَعْقِل الهُدى. وقد ذكرنا الغِشاوة والخَتْم في [البقرة:7].

{ فمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ }؟! أي: مِنْ بَعْدِ إِضلاله إِيّاه { أفلا تَذَكَّرونَ } فتَعْرِفوا قُدرته على ما يشاء؟! وما بعد [هذا] مفسَّر في سورة [المؤمنون: 37] إلى قوله: { وما يُهْلِكُنا إِلاّ الدَّهْرُ } أي: اختلاف الليل والنهار { وما لهم بذلك مِنْ عِلْمٍ } أي: ما قالوه عن عِلْم، إِنَّما قالوه شاكِّين فيه. ومن أجل هذا قال نبيُّنا عليه الصلاة والسلام: " لا تَسُبُّوا الدَّهْر فإنَّ الله هو الدَّهْر " ، أي: هو الذي يُهْلِككم، لا ماتتوهَّمونه من مرور الزمان. وما بعد هذا ظاهر، وقد تقدم بيانه [البقرة: 28] [الشورى: 7] إِلى قوله: { يَخْسَرُ المُبطِلونَ } يعني: المكذِّبين الكافرين أصحابَ الأباطيل؛ والمعنى: يظهر خسرانُهم يومئذ. { وتَرَى كُلَّ أُمَّة } قال الفراء: ترى أهل كل دين { جاثيةً } قال الزجاج: أي: جالسة على الرُّكَب، يقال: قد جثا فلان جُثُواً: إِذا جلس على ركبتيه، ومِثْلُه: جَذا يَجْذو. والجُذُوُّ أشد استيفازاً من الجُثُوِّ، لأن الجُذُوَّ: أن يجلس صاحبه على أطراف أصابعه. قال ابن قتيبة: والمعنى أنها غير مطمئنَّة.

قوله تعالى: { كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلى كتابها } فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه كتابها الذي فيه حسناتها وسيِّئاتها، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أنه حسابها، قاله الشعبي، والفراء، وابن قتيبة.

والثالث: كتابها الذي أنزل على رسوله، حكاه الماوردي.

ويقال لهم: { اليومَ تُجْزَوْنَ ما كنتم تعملون }.

{ هذا كتابُنا } وفيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه كتاب الأعمال الذي تكتبه الحَفَظة، قاله ابن السائب.

والثاني: اللوح المحفوظ، قاله مقاتل.

والثالث: القرآن، والمعنى: أنهم يقرؤنه فيَدُلُّهم ويُذكِّرُهم، فكأنه يَنْطِق عليهم، قاله ابن قتيبة.

قوله تعالى: { إِنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كنتم تعملون } أي: نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم، أي بكَتْبها وإِثباتها. وأكثر المفسرين على أن هذا الاستنساخ، من اللوح المحفوظ، تَسْتَنْسِخُ الملائكةُ كلَّ عامٍ ما يكون من أعمال بني آدم، فيجدون ذلك موافقاً ما يعملونه. قالوا: والاستنساخ لا يكون إِلاّ مِنْ أصلٍ. قال الفراء: يرفع الملَكان العملَ كلَّه، فيُثْبِتُ اللهُ منه ما فيه ثواب أو عقاب، ويطرح منه اللَّغو. وقال الزجاج: نستنسخ ما تكتبه الحَفَظة، ويثبت عند الله عز وجل.

قوله تعالى: { في رحمته } قال مقاتل في جنَتَّه.

قوله تعالى: { أَفَلَمْ تَكُنْ آياتي } فيه إضمار، تقديره: فيقال لهم ألم تكن آياتي، يعني آيات القرآن { تُتْلَى عليكم فاستَكْبَرتم } عن الإِيمان بها { وكنتم قَوْماً مجرِمين }؟! قال ابن عباس: كافرين.