الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } * { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

قوله تعالى: { قُلْ للذين آمنوا يَغْفِروا... } [الآية] في سبب نزولها أربعة أقوال:

أحدها: أنهم نزلوا في غَزاة بني المصطلق على بئر يقال لها: " المريسيع " ، فأرسل عبدُ الله بن أُبيّ غلامَة ليستقيَ الماء، فأبطأ عليه، فلمّا أتاه قال له: ما حبسك؟ قال: غلام عمر، ما ترك أحداً يستقي حتى ملأ قُرَبَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وقُرَبَ أبي بكر، وملأ لمولاه، فقال عبد الله: ما مَثَلُنا ومَثَلُ هؤلاء إِلاّ كما قيل: سمِّن كلبك يأكلك، فبلغ قولُه عمر، فاشتمل سيفَه يريد التوجُّه إِليه فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس.

والثاني: [أنها] لمّا نزلت:مَنْ ذا الذي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً } [البقرة: 245] قال يهوديُّ بالمدينة يقال له فنحاص: احتاج ربُّ محمد، فلما سمع بذلك عمر، اشتمل [على] سيفه وخرج في طلبه، فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية، فبعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم في طلب عمر، فلمّا جاء قال: " يا عمر، ضَعْ سيفَك " وتلا عليه الآية، رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس.

والثالث: أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة كانوا في أذىً شديدٍ من المشركين قبل أن يؤمَروا بالقتال، فشكَوْا ذلك إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، قاله القرظي، والسدي.

والرابع: أن رجلاً من كفار قريش شتم عمر بن الخطاب، فهمَّ عمر أن يبطش به، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.

ومعنى الآية: قُلْ للذين آمنوا: اغْفِروا، ولكن شبِّه بالشرط والجزاء، كقوله:قُلْ لعباديَ الذين آمَنوا يُقيموا الصلاة } [إبراهيم: 31]، وقد مضى بيان هذا.

وقوله: { للذين لا يَرْجُونَ } أي: لا يَخافون وقائع الله في الأُمم الخالية، لأنهم لا يؤمنون به، فلا يخافون عقابه. وقيل: لا يَدْرُون أنْعَمَ اللهُ عليهم، أم لا. وقد سبق بيان معنى " أيّام الله " في سورة [إبراهيم: 5].

فصل

وجمهور المفسرين على أن هذه الآية منسوخة، لأنها تضمَّنت الأمر بالإِعراض عن المشركين. واختلفوا في ناسخها على ثلاثة أقوال:

أحدها: [أنه] قوله:فاقتُلوا المشركين } [التوبة: 5]، رواه معمر عن قتادة.

والثاني: أنه قوله في [الأنفال: 57]فإِمَّا تَثْقَفَنَّهم في الحرب } وقوله في [براءة: 36]وقاتِلوا المشركين كافَّةً } [التوبة: 36] رواه سعيد عن قتادة.

والثالث: [أنه] قوله:أُذِن للذين يقتَلون بأنَّهم ظُلِموا } [الحج: 39] قاله أبو صالح.

قوله تعالى: { لِيَجْزِيَ قَوْماً } وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: { لِنَجْزِيَ } بالنون { قوماً } يعني الكفار، فكأنه قال: لا تكافئوهم أنتم لنكافئهم نحن.

وما بعد هذا قد سبق [الإسراء: 7] إِلى قوله: { ولقد آتَيْنا بني إِسرائيل الكتابَ } يعني التوراة { والحُكْمَ } وهو الفَهْم في الكتاب، { ورَزَقْناهم من الطيِّبِّات } يعني المَنَّ والسَّلوى { وفَضَّلْناهم على العالَمِين } أي: عالَمي زمانهم.

السابقالتالي
2